عماد المديفر
فتح رفع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA السرية عن الدفعة الرابعة من «وثائق أبوت أباد» التي وجدت في وكر الإرهابي الإخواني الهالك أسامة بن لادن؛ فتح الباب واسعاً للعديد من التساؤلات حول سر علاقة تنظيم «القاعدة» بنظام الملالي في طهران، وتعاونهما معاً ضد الدول «السنية» في العالم الإسلامي، رغم أن «القاعدة» تعرف بأنها تنظيم متطرف يرفع راية التعصب في انتمائه للمذهب السني ويدّعي دفاعه عنهم وجل أعضائه والمتعاطفون معه هم من «السنة»..!
هذه التساؤلات أوصلت العديد من المحللين للقول إن الموضوع مجرد توافق مصالح.. ووجود مصلحة مشتركة بين الطرفين في أولوية استهداف حكومات الدول العربية «السنية»، وأن «القاعدة» لا تستطيع الاستغناء عن دعم ملالي طهران، كون إيران هي الملاذ الآمن لقيادات القاعدة وعوائلهم وأطفالهم، وهي الممر الموثوق -عبر ما يسمى بطريق الجرذان-، وهي من يقدم الدعم اللوجستي، وبالتالي فإن التنظيم الإرهابي مضطر للتعاون معها لتحقيق أجندته المتمثلة في «إقامة دولة الخلافة الإسلامية» على أنقاض الدول العربية والإسلامية.. فيما إيران بدورها تستغل حاجة هذا التنظيم إليها، وتمسك بأسر وعوائل قيادات «القاعدة» وتمسك بشرايين الحياة للتنظيم الإرهابي وتتحكم بـ «أكسجينه» لتوظفه لصالح أجندتها الخاصة فيما يخدم سياساتها الخارجية.. تماماً كما تفعل مع «حماس» على سبيل المثال.
الواقع أن هذا التعليل هو تماماً ما يروجه الإرهابي الحضرمي الهالك «أسامة بن لادن» نفسه لأتباعه الإرهابيين من المغرر بهم السذج الذين يطرحون ذات التساؤلات حين يرون التوجيهات والتعليمات لهم باحترام سيادة إيران، وعدم التعرض لها أو لمصالحها.. وهو ما يمكن قراءته بوضوح في مراسلات هذا الخبيث، التي رفعت عنها الـCIA السرية.. وهو ذات التعليل الذي قاله أيضاً خليفته الإرهابي الإخواني الأشعري الصوفي حفيد شيخ الأزهر «أيمن الظواهري».. وهو ما يسمع في خطاباته المعلنة لأتباعه.. وهو أيضاً ما يحاول أن يروج له أبواق نظام الملالي إذا ما تم «حشرهم» بهذه الحقائق الدامغة.. وذلك في معرض حديثهم عما يسمونه بـ»الدهاء الإيراني»، وتارة بادعاء أن ذلك يوفر البيئة المناسبة لخروج «المهدي» المنتظر من «سردابه»!
إذن؛ ما قدمه هؤلاء المحللون من تفسيرات لا يخرج عما قدمه قادة القاعدة ونظام الملالي من تعليل.. وبالتالي فهي تحليلات واقعة تحت تأثير خطاب القاعدة والملالي ذاته، وهو ما تريد «القاعدة» و «الملالي» للعامة أن تصدقه.. لكنه في فعلياً ليس الحقيقة! فما الحقيقة يا ترى؟! لقد أثارت الوثائق المفرج عنها الجدل مجدداً، وهو ما دعا بعض المحللين للعودة إلى وثائق أخرى جرى رفع السرية عنها قبل أكثر من ستة أشهر.. تلك الوثائق كشفت اتصالات سرية بين مؤسس نظام الولي الفقيه في إيران الهالك «الخميني» وبين إدارة كل من الرئيسين الأمريكيين «الديمقراطيين» جون كيندي وجيمي كارتر.. فترة كيندي ليست مجال حديثنا في هذه المقالة كونها كانت في مرحلة الستينيات الميلادية بعيد الانقلاب على «مصدق»، وعودة «الشاه» بدعم من وكالة الاستخبارات البريطانية «MI6» حينها.. ومن «الراديكاليين» وعلى رأسهم شيخ الخميني ذاته ومؤسس فرع تنظيم الإخوان المسلمين في إيران المدعو «أبو القاسم كاشاني».. وبعلم وتغاض من وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA.. وربما أعود لهذا الموضوع في مناسبة أخرى.. لكن ما يعنينا في هذه المقالة والتي تليها، وبشكل جدي.. تلك الاتصالات التي كانت بين «الخميني» وبين إدارة الرئيس الديمقراطي «جيمي كارتر» في نهاية السبعينيات الميلادية، قبيل الثورة الظلامية الإرهابية السوداء في طهران والمسماة زوراً بـ»الثورة الإسلامية» التي كان من نتائجها أن «غضت» الإدارة الأمريكية حينها أيضاً الطرف مرة أخرى عن الخطر المحدق الذي أحاط بحليفها التقليدي «الشاه محمد رضا بهلوي»، وما تلا ذلك من تولي جماعة «الإسلام السياسي» بقيادة «خميني» مقاليد السلطة في طهران.. وما نجم عنه من آثار سلبية طالت ليس الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها.. وحدها.. بل العالم أجمع.. شكلت الانطلاقة الحقيقية للإرهاب في العصر الحديث.. جراء إرهاب نظام «الولي الفقيه»، منذ تلك اللحظة.. مروراً بأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وليس انتهاءً بالكارثة الإنسانية التاريخية العالمية التي تحدث في العراق وسوريا اليوم.. وطال أثرها الجميع. لقد ذكرت وثائق الـCIA المفرج عنها قبل ستة أشهر أن تلك الاتصالات التي تمت قبيل الثورة.. التي تعهد من خلالها «الخميني» على المحافظة على المصالح الأمريكية.. ومواجهة «الشيوعية»، ذكرت أنها تمت عبر «وسطاء».. ولم تسمهم.. لاحظ أن فترة الإفراج عن هذه الوثائق كانت فالأشهر الأخيرة من حكم الرئيس «الديمقراطي» أوباما.. ولم يكن هؤلاء «الوسطاء» في الواقع إلا «التنظيم الدولي للإخوان المسلمين».. وهو ما سأكشف تفصيلاته موثقاً في المقالة المقبلة..
إلى اللقاء.