د.فوزية أبو خالد
لو سألنا هذا السؤال في السياسة، في الاقتصاد، عسكريًا أو في الثقافة فما عساها أن تكون الإجابة أو الإجابات على توقع تعددها بحسب مجالها، مع إمكانية أن يكون هناك أكثر من إجابة صحيحة لنفس السؤال وباعتبار ألا يخلو الأمر من إجابات خاطئة.
هذا مع احتمال اختلاف الإجابة بحسب من يتصدى للإجابة على السؤال. إضافة إلى احتمال وجود إجابات عامة، بل فضفاضة تشبه تصريحات المسؤولين الكبار على بعض المسائل الشائكة. كما يحتمل أيضًا أن يكون هناك إجابات ضيقة وخانقة تنيط الآمال بالأشخاص أو بأشخاص بعينهم تخلع عليهم أعباء أدوار البطولات دون أن يحتاج الأمر بطولات فردية.
ففي السياسة قد يقول قائل: نعلق الآمال على القيادات وقد يقول آخر على الشباب..
وفي الأمن قد تكون الإجابة نعلق الآمال داخليًا على رجال الأمن وخارجيًا على الجيش والعمل الدبلوماسي..
وفي الاقتصاد قد يقال: نعتمد على الثروات الطبيعية على العمالة الخارجية على السواعد الوطنية على اقتصاد الخدمات على السياحة على وجود قاعدة اقتصاد وطني متماسكة.. الخ..
أما في الثقافة فقد تحار وخصوصًا عندنا الإجابات من سلك التربية والتعليم إلى النخب النشطة والأقل نشاطًا، من النخب الدينية والأكاديمية ونخب الإعلام بأنواعه وخصوصًا الرسمي ونخبة التكنوقراط والبيروقراطية إلى أقلية المفكرين المستقلين والأدباء..
هذا السؤال بإجاباته المحافظة أو التقدمية.. المعلن منها والسري المتعثر أو المتيسر هو السؤال الذي ليس من مناص للدول وللشعوب أن تقف لتسأله نفسها بين فترة وأخرى في الأحوال العادية فما بالك في تواريخ المنعطفات.
وهو السؤال الذي لم تكف المنطقة العربية منذ عصر ما سمي بمشروع النهضة العربية نهاية القرن التاسع وبداية القرن العشرين إلى اليوم عن طرحه دون أن تصل إلا على إجابات متعثرة عليه، حيث تعددت تعثراتها فيه بتعدد الأطر التي طرح فيها من دولة العسكر القطرية وتطعيمها بمكونات حزبية (آلة مآلات تعصبية قامعة) إلى الدولة القطرية التي اعتمدت البنى التقليدية - القبلية أو الأسرية في بناء دول معاصرة بصيغ ملكيات أو «مشيخة».
ونستطيع اليوم أن نرصد بعض من الطرق المغايرة للإجابة على السؤال عمّا كان عليه الأمر في نهاية القرن العشرين. ومن ذلك الطريقة التي يجيب بها العالم الغربي وأمريكا تحديدًا على هذا السؤال مع اقتراب نهاية العقد الثاني من الألفية الثالثة التي ترجمها وصول دونالد ترامب إلى المقعد الرئيس عبر صوت لناخب الأمريكي في كلمة السر لشعارات حملته التي تقول الداخل الأمريكي أولاً وثانيًا وعاشرًا، وأموال أمريكا لأمريكا واستثمارات أمريكا لأمريكا واقتصاد أمريكا ومن بعدها الطوفان بما يكرّس وأن بدا مختلفًا زعامة أمريكا للعالم ولكن ليس فقط بحسابات سياسية باطنها المصلحة الاقتصادية العليا لأمريكا كما في مراحل سابقة وإنما بكيفية مسبقة الدفع دون أن يحترق لأمريكا أصبع في المناطق الملتهبة في العالم التي لم تكن بعيدة عن إشعال كثير منها مثل منطقتنا العربية اليوم ببعدها الإقليمي الشرق أوسطي. ولتنفيذ هذه السياسة الاقتصادية بروحها الشوفانية المتعصبة يطرح الرئيس الأمريكي اليوم مشروع مناطق سورية آمنة بتمويل عربي بهدف منع أي احتمال بخروج لاجئين من ويلات الحرب لأمريكا أو أوروبا كما طرح بالأمس بناء سور أمريكا العظيم على الحدود الأمريكية- المكسيكة بتمويل مكسيكي لمنع التسلل العمالي من المكسيك لأمريكا بحثًا عن فرص العمل، الذي على أثره قام الرئيس المكسيكي بإلغاء زيارته لنظيره الأمريكي الجديد.
ومن ذلك أيضًا ما تقوم به اليوم إيران من استئساد غير مسبوق على المنطقة عبر أربعة معابر حيوية من الأرض العربية وهي العراق وسوريا ولبنان واليمن بتعليق آمالها على المد الطائفي لمزيد من تقسيم العالم العربي جغرافيًا وسياسيًا وعسكريًا وابتلاع ما أمكنها منه تحت مشروع دولتها الدينية الطائفية الانعزالية لبسط سيادتها الإقليمية. أما تركيا فليس من شك أنها تقدم اليوم على صعيد العمل السياسي والدبلوماسي والعسكري كل ما يقربها ويمكنها من تعزيز موقعها كلاعب إقليمي رئيس يحسب حسابه في المنطقة من قبل الزعامات الدولية من أمريكا لروسيا ومن ألمانيا من دول الاتحاد الأوروبي إلى بريطانيا من خارجه. ولم يكن أول مظاهر ذلك تلك اللقاءات الدولية الإقليمية التي تخص صميم المنطقة العربية ولا تحضرها إلا روسيا وتركيا وإيران وليس آخرها جولة أوردغان الخليجية الأسبوع الماضي لتكريس تركيا كقوة إقليمية مقابل المد الإيراني. وهذه ليست إلا أمثلة على مربط الفرس الذي يقودنا إليه سؤال على من نعلق الآمال سواء سعوديًا أو خليجيًّا أو عربيًا في هذه اللحظة التاريخية التي تتخلق فيها اتجاهات ومواقع جديدة للقوى العالمية والإقليمية معًا.
فليس من مناص اليوم أن نعيد النظر والوقت هنا عامل حاسم في سؤال على من نعلق الأمل أو الآمال، ونعلم أنه سؤال وجودي ولكنه لا يمكن أن يجاب إلا باعتباره سؤالاً سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا بل وثقافيًا. كما أنه وإن كان يعني كل دولة عربية ممن بقي على قيد الحكم فإنه قد يعني في هذه اللحظة دول الخليج على وجه التحديد بأهميتها الاقتصادية العالمية من ناحية وبمكونها السكاني الشبابي وبنواتها الاتحادية المتمثل في مجلس التعاون من ناحية أخرى، بما قد تستطيع معه، لو علقت آمالها على غير استعادة مجد علاقتها مع القوى العظمى وعلى غير موجة سياسات المزاج السياسي للقوى التعصبية الصاعدة في أمريكا وأوروبا وقامت باستنهاض قواها الذاتية المحيدة أو الموزعة بيت رجاء ويأس استمرار تكية الدولة الريعية، من تقديم نفسها كقوة إقليمية بمشروع سياسي نهضوي مستقل.