محمد آل الشيخ
كتب الأستاذ «عبدالله الرشيد» مقالا في جريدة عكاظ بعنوان (مفاتيح الفقه الحنبلي وأحكام الترفيه والمعازف)، أشار فيه إلى كتاب فقيه (حنبلي) أكاديمي، حاصل على درجة الدكتوراه في الفقه الحنبلي، ورأس قسم الفقه في جامعة أم القرى قبل وفاته رحمه الله، هو الشيخ الدكتور سالم الثقفي. والكتاب كان بعنوان (أحكام الغناء والمعازف، وأنواع الترفيه الهادف). وموجود في شبكة الإنترنت، ما مكنني من الاطلاع عليه رغم أنه - للأسف - كان ممنوعا من التداول في المكتبات. أهمية هذا الكتاب أنه أولا لعالم حنبلي مرموق؛ وثانيا أنه أورد أقوال كل من قالوا بالتحريم، وناقشها نقاشا علميا مستفيضا، ووصل - رحمه الله - إلى أن القضية خلافية، تدور بين التحريم والكراهية والإباحة، وأن أدلة الإباحة أقوى وأرجح.
هذه القضية نوقشت نقاشا مستفيضا، ولن أضيف جديدا إلى هذا النقاش. غير أن النقطة التي أريد التنبيه إليها هنا هي أن هناك كثيرا من الكتب التي مُنعت دونما مسوغ، إلا أنها كانت تحمل رأيا مختلفا عما كان سائدا، وبدلا من أن تكون القضية محل نقاش، وأخذ ورد، تم منعها. ونحن الآن نعيش زمن تغيّرت فيه كثير من القضايا، وتراجعت آراء الغلاة إلى الخلف، وحقق دعاة المواكبة والانفتاح والتطوير خطوات هامة، ليس على المستوى النظري فحسب، بل على المستوى العملي أيضا؛ وأهم الخطوات التي اتخذتها الحكومة في هذا العهد الزاهر، أنها أنشأت هيئة متخصصة للترفيه، يرأسها (وزير)، وينتظم في مكوناتها نخبة من القادرين على تفعيل أهداف وغايات هذه الهيئة. من داخل البلاد وخارجها، ومازال الجدل دائرا حول الترفيه ومشروعية الحفلات الغنائية حتى اللحظة، وأن كانت أصوات الغلاة بدأت تخبو شيئا فشيئا في طريقها إلى التلاشي.
كما أنني في هذا المقال أدعو (هيئة الترفيه) إلى شراء حقوق نشر هذا الكتاب آنف الذكر من ورثة الشيخ - رحمه الله - والعمل على طبعه في طبعات جديدة بكميات كبيرة، وتوزيعها في المدارس والمعاهد والجامعات، كما أهيب بأحد الفقهاء المتفتحين، ممن يملكون الجرأة والشجاعة على المواجهة، بتلخيص هذا السِفر القيم، واختصاره، ونشر هذا المختصر بلغة سهلة ومبسطة، ليتمكن الشباب من قراءته، خاصة وأن كثيرا ممن يحضرون الحفلات، ويستمعون إلى الأغاني، يحضرونها رغم أنهم يُقرون بحرمتها، مستندين إلى قول هذا وفتوى ذاك، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء التحقق وتمحيص أدلة من قال بالتحريم. وعندما يتسنى لهم الاطلاع على الأدلة والشواهد التاريخية التي تقول بالعكس، فإنهم سيعيدون التفكير حتما في كثير من قناعاتهم الدينية التي شكلها دعاة التضييق، فيما يتعلق بالحلال والحرام.
وأنا على يقين لا يخالجه شك أن (الإرهاب) هو ابن للغلو والتطرف؛ فإذا أردنا أن نقضي على الإرهاب فلا بد لنا أن نعمد إلى التطرف ونقضي عليه، وإلى اللين والتسامح والانفتاح كما يدعو إلى ذلك القرآن الكريم ونسعى إلى نشر وسائله وتكريسها، ومن تلك الوسائل ما يتطرق له كتاب الشيخ رحمه الله.
إلى اللقاء.