إبراهيم عبدالله العمار
أضحكني موقف في فيلم أمريكي يحكي قصة «فيتي» وهو زعيم إحدى فصائل المافيا في نيويورك يزور طبيباً نفسياً، والمواقف الطريفة التي تحصل بسبب ذلك، ومن المشاهد الشهيرة عندما تشاجر مع زعيم فصيل آخر ثم رجع للطبيب وهو في شدة الغيظ، وقال له الطبيب محاولاً تدارك حمم غضبه: «هل تعلم ما أفعل أنا إذا غضبت؟ إني أضرب المخدة». وهي طريقة استعملها بعض المعالجين النفسيين في السابق ليحث الشخص على تفريغ غضبه (والنظرية أنه إذا أفرغ الشخص غضبه حتى ولو بضرب مخدة فإن الغضب يتلاشى)، وفور أن سمع فيتي اقتراح الطبيب أخرج مسدسه أمام الطبيب الفَزِع وأهال الرصاص على المخدة المسكينة!
هذه النظرية (أي تفريغ الغضب بالصراخ أو الشجار أو الانتقاد الساخن أو أي طريقة انفجارية) قديمة ويراها الكثير من الناس صحيحة، لكن الحقيقة أن إظهار الغضب والتنفيس عنه ليست جيدة لإزالته، بل هي تأتي بالعكس، أي أنها تزيد الشخص غضباً. ودلنا على ذلك تجارب طبّقها علماء نفسيون، من أشهرها دراسة عام 2002م للعالم براد بوشمان أظهر فيها أن تفريغ الغضب بالصراخ وضرب المخدات يزيد مشاعر الغضب لديك، حتى إن مجرد أن لا تفعل أي شيء لمدة دقيقتين بعد الموقف كانت أنفع لزوال الغضب من ضرب المخدة، وتصرفات الناس الذين أفرغوا غضبهم لوحظ أنها بعد التفريغ ذاك اليوم كانت أكثر حدة وعصبية ممن لم ينفجروا غاضبين.
ماذا عن تفريغ الغضب بالكلام؟ هناك مواقع إنترنت تتيح للشخص أن يدخلها ويفرغ كل ما في نفسه من حنق بما في ذلك الشتم واللعن، فهل هذه أفضل؟ لا. دراسة عام 2013م على هذه المواقع أظهرت أن الذين استخدموها لم يكونوا أقل، بل أكثر غضباً، حتى إن هذا أثّر على نفسياتهم وعلاقاتهم مع أزواجهم وأصدقائهم.
لما قرأت أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام عن الغضب وأنا صغير تساءلت كيف يخفف هذا من الغضب، فقد كنت مثل الكثير أظن الانفجار والانفعال هو الأفضل، لكن كالعادة يأتي العلم ليؤيّد كلام الشرع، فلم ينصحنا رسولنا بالانفجار، بل بأن يجلس الشخص إذا كان واقفاً أو يضطجع إذا كان جالساً والوضوء والاستعاذة.