د. حسن بن فهد الهويمل
هناك علماء, ومفكرون, أخْتَلِفُ معهم جملةً، وتفصيلا. ولكنني أحترم فيهم غزارة العلم, وبراعة الاحتواء، واتقاء الصدام, وأنْشُدُ كُتُبَهم كما تَنْشُد عِطَاشُ الإبل مَوارِدَ الماءِ.
وحين ألتقي مع هذا الصنف أتخذ منهج الدفع بالتي هي أحسن, ولكنني لا أعطي الدنية في ثوابت الدين. وإن قلت للناس حُسْنا.
مالا أوده من تلك الفئة،الدخولَ في الحقول المعرفية بعقلية مبرمجة, وإرادة مسلوبة, وركون إلى نمطية القول, وجاهزية الأحكام، دون السماع للمعطيات المعرفية المجردة من الأهواء.
سأضرب مثلا ببعض الوجوه القنواتية: (سنة) و(شيعة) على حدٍّ سواء, ممن نذرت نفسها للهوى المطاع كـ(أبي رية) أو للدعوة المذهبية، كآية الله (الحيدري).
ولأنه يتمتع بجلد المخالف, فسأتحامى النيل منه، ومن صَفَوِيَّته. فأشياعه المتحفزون، وأتباعه المتوترون سينالون مني بقدر ما أنال منه, لو أني شغلت نفسي بتسفيهه, أو تجهيله,، أو تدليسه.
وتفادياً للصدام سوف أتوسل بعرض رؤيتي, وأدع الحكم للمتلقي.
والذكر الحكيم نهى المنافحين عن حوزة معتقداتهم عن سب مقدسات المخالف، لأنه مدعاة لسب مقدساتنا، ظلما, وعدوانا:-
{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}.
ومصلحة المُحِقِّ حماية أوراقه الرابحة من لجاجة المراء, وصلف التنازع. إذ في هذا امتثال لأمر المُبَلِّغ عن الله :- {بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آية}.
لقد استمعت بإنصات, وتأمل لكل ما قاله الذكي, غير الزكي (كمال الحيدري) بحق الصحابي الجليل (أبي هريرة)، وما أجهد به نفسه في التنقيب في كتب (أهل السنة، والجماعة) عن أقوال تشكك في مصداقية (أبي هريرة), بوصفه من الرواة المكثرين، على الرغم من أن صحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لم تتجاوز السنوات الثلاث - على حد قوله -. وما قاله اجترار أبله لمقولات (عبد الحسين الموسوي)
ولمَّا يكتف بالنقل بل حَمَل على ظهره أسفاراً من كتب السنة المعتبرة إلى (الاستديو) ليعزز ادعاء المصداقية.
وليس غريباً النيل من مثل (أبي هريرة) عند المتعلمنين، والصَّفَوِيِّين. ولكن الغريب النفخ في نتف الشواهد, حتى تسد الأفق، وتقطع دابر التساؤل.
و(أبو هريرة) تَدَنَّست بتجريحه أقلامُ الجهلة من بعض أبناء السنة, كـ(أبي رَيَّة).
وإسقاط عَلَمٍ من أعلام الرواية المكثرين, إسقاط لشطر من السنة النبوية. ورُبَّ ضارة نافعة. فـ(أبو هريرة) بقدر ما تسلط عليه من الكتبة المجازفين, هُيِّئت له أقلام ذكية، زكية، مقتدرة، تذب عن عرضه, وتفند المفتريات التي جازف بها غير الورعين, وغير المستبرئين لحرماتهم.
ثم هو بما يتعرض له، يَنَالُ ما بَشَّرَت به (أمُّ المؤمنين عائشة) رضي الله عنها, حين سُئِلت عما يريده المجازفون في سب الأصحاب.
قالت :- لعل الله قد أعد لهم نُزُلاً، لم يبلغوه بأعمالهم, فسلط عليهم {الأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} فأَخَذَ من أعمال القالين، وجعلها في موازين الغافلين، فبلغوا تلك المنازل. أو كما قالت بأبي هي, وأمي.
و(أبو هريرة) جدير بأن تُموضعه كافة الأقلام النزيهة, والمريبة, لأن في بقاء عدالته حفظاً لشطر من الحكمة النبوية،وبسقوطه سقوط لمروياته المهمة, والشاملة لكل وجوه التشريع.
المتعلمنون, والمتعقلنون, والماديون، والمتعصبون لطوائفهم يأتون مصادر التشريع من قواعدها, ولا يَشُقُّون على أنفسهم بنقض الشوامخ لبنة لبنة.
و(أبو هريرة) من قواعد التشريع, لأنَّهُ ناقل أمين لأصل الدين, عبر آلاف الأحاديث التي حفظها ورواها, بوصفه حافظاً، راوياً من (أهل الصُّفَّة), على خلاف كبار الصحابة, وأغنيائهم الذين شغلتهم المهمات الجسام, أو الكسب المشروع.
ومراجعة عائشة لبعض مروياته, ولفت نظره من قبل (الفاروق) لا يقدح في عدالته.
فالصحابة الذين مات الرسول صلى الله عليه وسلم, وهو عنهم راض كلهم عدول, ونقلة أمناء للتشريع.
فالرسالة التي حملها الصحابة, وأدوها كما سمعوها, أو رأوها جزءًا من مهمات تبليغ الرسالة.
فالله جل وعلا لا يمكن أن يَتَعَبَّدنا بقولٍ نَقَلَتُهُ غير ثُقات. وأصحاب رسول الله الذين ائتمنهم على حمل الرسالة ثقات بإجماع علماء السنَّة, ولا قيمة لمن أكَنَّ الله قلوبهم, ووقر آذانهم، وأعمى بصائرهم.
وكيف يتأتى الشك, و(حفصة) مؤتمنة على حفظ القرآن, و(عثمان) هو جامع القرآن, وموزع مصحفه على الآفاق. يتبع