قبل أن أتحدث عن موضوع المقال أود أن أشير بلمحة موجزه عن الموسوعة التي نشرت هذه الدراسة حيث صدر منذ أسبوع «الجزء الحادي عشر» من سلسلة كتاب «القول المكتوب في تاريخ الجنوب» والذي يحمل هذه المرة تحت العنوان الرئيس عنواناً مخالفاً لما تعودناه في أجزاء سابقة عبارة (أجزاء من عسير) لمؤلفه الدكتور غيثان بن جريس الشهري، والذي احتوى على عشرة أقسام لعل أبرزها ظهران الجنوب في بعض المصادر والوثائق والمشاهدات خلال العصر الحديث، يأتي بعده العنصر الخامس موضوع جدير بالاهتمام عن أسواق تهامة وسراة بني شهر خلال العصر الحديث (دراسة تاريخية) وتكلم فيه الأستاذ حسن بن فيصل الشهري عن أسواق محافظة المجاردة في تهامة بني شهر خلال العصر الحديث، وشارك معه الأستاذ رشاد بن عبدالله الطنيني الشهري عن سوق سبت تنومة في سروات بني شهر في العصر الحديث والمعاصر أما القسم الثالث عنوانه (صور من تاريخ منطقة عسير في الماضي والحاضر (جُرش وأبها أنموذجاً). وقد كتب في هذا القسم نخبة من أبناء المنطقة والمثقفين أولهم الأستاذ سعيد بن عبدالله آل بركات الغامدي عن موضوع «جُرش هي بلجرشي»، يأتي بعده د. إسحاق بن عبدالله السعدي الغامدي عن موضوع «خواطر وصور أبهاوية»، أما الموضوع الثالث في هذا الباب فكتبه صاحب هذه الموسوعة تحت عنوان «حاضرة أبها كما نشاهدها اليوم».
وبالنسبة للقسم الرابع جاء عن «محافظة خميس مشيط بين القراءة والمشاهدة» وكتب في هذا القسم الابن البار لخميس مشيط الأستاذ محمد بن أحمد بن مُعَبِّر وتحديداً في موضوع «الأعلام الجغرافية في محافظة خميس مشيط (طبعة تجريبية)» وشاركه المؤلف الكتابة في هذا القسم عن مشاهداته ورأيه ووجهة نظره عن الخميس.
يأتي بعد ذلك القسم الخامس ويحمل عنوان المقال الذي سوف نتحدث عنه اليوم، عن بلاد بلقرن السروية ومحافظة بلقرن بشكل عام، قام بهذا البحث أحد أبناء المحافظة د. سعيد بن محمد القرني، وشاركه الكتابة في هذا الفصل صاحب القول المكتوب، فقسموا الدراسة إلى مقدمة استهلها الأخير بلمحة موجزة عن المحافظة كما شاهدها، وكان التركيز على التاريخ الحديث والمعاصر، وذكر ابن جريس أن الدراسات الجغرافية مكملة للدراسات التاريخية، وأن هذا البحث عن «تدهور الغطاء النباتي في محافظة بلقرن» يدور في فلك التاريخ والجغرافيا.
ويأتي العنصر الثالث بقلم د. سعيد القرني عن تدهور الغطاء النباتي في تلك البلاد وبدأه المؤلف بلمحة تاريخية وجغرافية عن المحافظة وموقعها وحدودها (وذكر أنه يستوطنها اليوم عشائر عربية عريقة في مجدها وتاريخها هي من الشمال إلى الجنوب (خثعم، آل حبة «العوامر»، وشمران، وعليان، وبلقرن) ودوّن بعض الرؤى التي استخلصها كما قال عن بلاد السروات بشكل عام، ومحافظة بلقرن بشكل خاص خلال القرون الممتدة من عصر ما قبل الإسلام، إلى العهد الحديث والمعاصر، أما المشاهدات وانطباعات البحث فقد لخصها في عدد من النقاط عن الطبيعة والمجتمع، وأشار إلى التركيبة البشرية من مدن وبلدات وقرى صغيرة وكبيرة، وكان التركيز على سبت العلاية، والبشائر، والبظاظة وفصّل عند الحديث عنها، وتحدث عن العمارة، الدينية والسكنية والتجارية، ثم العمارة الحكومية والأهلية، بعد ذلك انتقل للحديث عن شبكة الطرق البرية والأسواق في المحافظة، أما الطرق فذكر أنه شاهد أثناء زيارتها ستة طرق تسلكها السيارات من أعالي السروات إلى تهامة، وتلك العقبات من الشمال إلى الجنوب، هي:
1- عقبة الخَشَبة بخثعم إلى الشمال من جبل البَلَس وتعد الحد الشمالي لحمى خثْعم.
2- عقبة الشّرجة: وتصل بين مدينة البشائر وقرى عليان التهامية مثل قرية مُشْرِفَة.
3- عقبة السَّقيفة: وتلتقي مع الطريق السابق في قرية مُشْرِفَة.
4- عقبة عليان: نسبة لقرية تأخذ الاسم نفسه وتربط بين قرية عليان في شمالي آل عامر والطريق الساحلي الواصل لمدينة مكة.
5- عقبة ثريبان: نسبة لقرية ثريبان في تهامة بلقرن ويمكن القول أن هذا الطريق ألحق ضرراً بالغاً بأشجار الصومل المهددة بالانقراض في وادي النظر وتم رصد الكثير من مربي النحل يستقرون في الوادي طيلة فصلي الشتاء والربيع .
6- عقبة تصل بين قرية آل الزارية ووادي الجوف جنوبي ثُرَيْبَان، وأخذت اسمها من القرية التي تبدأ منها في سراة بلقرن.
وذهب المؤلف إلى ما شاهده في رحلته إلى محافظة بلقرن لأبنية أخرى وقصد بها المقابر التي لاحظ أن البلديات قامت بتسويرها، ثم انتقل للحديث عن الطعام واللباس في المحافظة، وأفرد موضوعاً تحدث فيه عن بعض الأعراف والتقاليد في بلقرن مثل الكرم وحسن الجوار والتعاون والتكاتف في الأفراح والأتراح، ثم ذهب للحديث عن اللهجات وأشار بلمحة اقتصادية عنها، أما الشق الثاني من هذا الفصل والذي يدور حول جغرافية محافظة بلقرن فقسمه القرني إلى عدد من العناصر أولها الموت القممي للأشجار، ثم التوسع العمراني وقسم التوسع العمراني الى التعديات العشوائية ثم النمو الكبير في بناء المساكن ثم المرادم الصحية، وفقدان الأراضي الزراعية، وتوطين البادية، بعد ذلك تحدث عن التوسع الزراعي، وتأثير الطرق، وتأثير الأنشطة الترفيهية، وتأثير الرعي الجائر وقسمه إلى موارد المياه، والنباتات الرعوية، وحالة المراعي، ثم أورد معلومات عن الاحتطاب الجائر وقسم الاحتطاب الى الأنواع المحتطبة، وتأثير الاحتطاب على الغطاء النباتي،واستخدام الحطب، أما الجزء الأخير من هذا البحث فقد جاء عن المصادر والمراجع التي استقى منها بحثه.
وبداية كتب القرني في مقدمته أن تدمير الغطاء النباتي يبرز من خلال تناقص أعداد مزاولي حرفة الرعي في الأجزاء الغربية من محافظة بلقرن وضرب أمثلة على ذلك بقرى آل الزّارية، والحصُنة، وعِلْيان، والتدهور في غابات العرعر لديهم، مما حدا بالكثير منهم أن ينتقل بقطعانه غرباً باتجاه تهامة أو شرقاً باتجاه شُواص وتَبالة والعُرقوب، وذكر أن النوع من النباتات التي طالها الموت القممي هي العَرْعَر، والعُتُم، والطلح، والشث، وعند الحديث عن التعديات العشوائية أورد الباحث مواقع الغابات التي أزيل أجزاء كبيرة منها كالعروس بآل عامر، والمُسَمى جنوب قرية ثّمَّاء، والمُنْبَسط شمال قرية الكُعوب وطلال على طول امتداد أودية شُواص ومَطى وتَبالة، وذكر أن نوع من الضباع والذئب العربي والأرانب طالها الضرر حينما دُمر الغطاء النباتي، وعندما تحدث في باب التوسع العمراني أشار في قسم توطين البادية إلى تنقلات الأهالي في الماضي وذكر أن البدو كانوا يتنقلون على امتداد الجزء الشرقي من وادي شُواص شمالاً حتى وادي مطي جنوباً والقبائل البدوية التي كانت تمارس حرفة الرعي هي امتداداً للقبائل التي تعيش في القرى حيث يسكن شيوخها، وأورد مثالاً آل عيسى وآل لعْلى وآل عُبيد والكرْعان أنها تنسب لقبيلة دُحَيْم من بلقرن وترتحل بين وادي سُقام جنوباً ووادي مِشْحِذ شمالاً واستوطنت حالياً في قرى عفراء، وقبيلة بلحارث ومراعيها شرقي وجنوبي قبَائل دُحَيْم البدوية من وادي مطي جنوباً حتى وادي العُرْقُب شمالاً، واستوطنت على ضفاف وادي طلالا، وذكر أن في شمال شرق المحافظة توجد مراعي قبائل الحلافات وبنو واس وهَمَّاس المنتسبة لقبيلة خثعم وترعى من وادي شُواص شمالاً حتى وادي مِشْحِذ جنوباً وتوطنت على امتداد وادي شُواص وفي قرية الفُوِّهة وقرية حِلِيل، وأردف الباحث نقلاً عن المعمرين من تلك القبائل أن استيطان البدو تم على عدة مراحل، وإن أقدم قرى استوطنت هي قرية العضة وقرية الصروف من نواحي عفراء.
وأخيراً القسم الرابع من هذه الدراسة جاء في نهاية البحث وكان عبارة عن رأي ووجهة نظر للمؤلف حول محافظة بلقرن والندرة في الكتابة عنها والتوثيق.
- عبدالهادي بن مجنِّي
bnmgni@hotmail.com