ليس هناك من شك أن الصداقة بين الأصدقاء من الأمور المحببة التي يسعى إليها كل إنسان منا في هذه الحياة؛ فلا يستطيع أي إنسان في هذه الحياة أن يعيش منفردًا وحده بدون أن يتعرف على أصدقاء، سواء كانوا أصدقاء دراسة أو عمل أو تجارة أو سفر.. ولكن لا يستطيع أن يجد أصدقاء بدون أخطاء، سواء كان الخطأ بقصد أو غير قصد.
فالصديق إنسان تحتاج إليه في أوقات متعددة، سواء في جانب الشدة أو جانب الرخاء، تحتاج إليه في إزالة الهموم والغموم.. تبوح له بأسرارك وأشجانك فتجد منه العون والمساعد والمساندة في حل هذه الهموم بالقدر الذي يستطيعه، وبعد هذه الحلول تجد راحة في النفس وسعادة في ذلك بعد الإفضاء إليه بما أثقل كاهل قلبك ومشاعرك؛ لأن كتمان ما في الصدر يخلف أضرارًا مؤلمة ومحزنة؛ فإن الإفضاء إلى الصديق الذي تثق في دينه وأمانته وإخلاصه ومحبته إليك تحس أنه جزء منك، وهذا هو الكنز الذي لا يفنى.
الذي يمتاز بالقدرة على مواجهة الحياة ومصاعبها ومجابهة الحقائق الواقعية بصورة عقلية وموضوعية فإنه يحيا حياة واقعية، ليس فيها تخيلات أو أوهام أو مخاوف.. يفهم سلوك ومشاكل الآخرين، ويقدر أوجه الاختلاف والفروق بينهم تجاه ظروف الحياة.
فالمرء لا بد أن يكون ناضجًا عاطفيًّا مسيطرًا على مشاعره، مالكًا الأمر بنفسه، بعيدًا كل البعد عن الخوف والغضب والغيرة العمياء والحب الجامح، قادرًا على التعبير الواضح عن مشاعره وعن انفعالاته بصورة ترضي المجتمع والناس؛ فلا يصيبه الانهيار أو التمزق نتيجة مخاوفه أو همومه أو أحزانه أو غضبه.. فالحياة في مجملها أخذ وعطاء، وفضل ونجاح.
فهل يجد المرء ذلك الصديق الوفي الذي يمتاز بأبجديات مفهوم الصداقة، الذي يتفق معه في كل الأحوال فيكون تفكيره واهتمامه ومشاعره لا تبتعد قيد شعرة عن تفكيرنا واهتمامنا ومشاعرنا؟ إن هذا الأمر يعتبر في حد ذاته ضربًا من الخيال؛ فلا بد من التباين والاختلاف في كل الأمور بين الأصدقاء، ولكن الحكمة تقتضي منا أن نتجاوز عن الأخطاء كافة التي تصدر من الصديق؛ فقد قال الشاعر الحكيم:
إذا كنت في كل الأمور معاتبًا
صديقك لم تلق الذي تعاتبه
فعش واحدًا أو صِل أخاك فإنه
مقارف ذنبًا مرة ومجانبه
من ذا الذي ترضى سجاياه كلها
كفى المرء نبلاً أن تُعَدَّ معايبه
فالمرء لا يستطيع أن يعيش منعزلاً وحده عن الآخرين؛ فالوحدة قاسية، لكن على المرء أن يتقبل أخطاء الأصدقاء كافة استجابة لقول نبي الأمة محمد - صلوات الله وسلامه عليه -: «كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون».
فالاختلاف بين الناس أمر طبيعي حتى في العقائد {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً...}، لكن يجب على الآخرين احترام آراء الناس؛ فهذا أمر مشروع ومحبب ومطلوب؛ فالحوار مع من تختلف معه أمر يخدم العملية الحياتية.
علمًا بأن معايشة المرء اليومية أو شبه اليومية مع بعض الأصدقاء متعددي الأمزجة والأهواء والآراء والأفكار والمذاهب لفترة من الوقت يكتشف معها المرء - مع الأسف الشديد - أشياء عديدة، نقول إنها لم تُؤتِ أكلها، ولم تملأ السلة بالثمار المطلوبة.. وهنا يقف الإنسان في حيرة من أمره بين الصداقة الجيدة والفاشلة.