مع بداية كل فصل دراسي جديد، ما زلنا نتذكر دائمًا أول يوم من كل فصل دراسي قضيناه في المدرسة، وكيف كنا نستعد له جيدًا ونحرص أن تكون جميع أدواتنا المدرسية جديدة، وكنا نفكر كيف ستكون هذه السنة الدراسية، ونتشوق لرؤية زملائنا والجلوس معهم وتبادل أطراف الحديث، وكنا أيضًا نستمع لنصح والدينا بضرورة الاهتمام في طلب العلم والتعلم من معلمينا، والإنصات لهم واحترامهم وتقديرهم ومناقشتهم لتحقيق الاستفادة المنشودة، إضافة إلى حرص والدينا على ضرورة انتقاء الصحبة الصالحة التي تعيننا على المثابرة والاجتهاد ولو كنا حقيقة في وقتها لا نعي تمامًا ما يقوله لنا آباؤنا ولكننا الآن بفضل من الله نجني ثمار حرصهم وتحفيزهم المستمر فجزاهم الله عنّا وعن معلمينا خير الجزاء.
بلا شك أن التعليم يختلف في كل زمان ومكان، ويتطور بشكل مستمر، ولكن تبقى أركان التعليم كما هي: الطالب والأسرة والمدرسة، فهم الأساس في منظومة التعليم، ولو حصل هناك خلل أو قصور في أحد هذه الأركان سيحصل خلل بكل تأكيد في هذه المنظومة ولن تتحقق بذلك الفائدة المرجوة.
وهذا يعني أننا لا نستطيع بأي حال من الأحوال الفصل أو إلقاء اللوم مباشرة على أحد هذه الأركان في حال وقعت حادثة أو خلل معين لأن المنظومة التعليمية مترابطة، وتقوم على أساس هذا الترابط.
ما حدث مؤخرًا من بعض الحوادث المؤسفة، والسلوكيات السيئة، على سبيل المثال حينما قام أحد الطلاب في المدرسة بحمل سلاحًا رشاشًا وإشهاره لخلاف وقع بينه وبين أحد زملائه، وأيضًا الحادثة الأخرى وهي اقتحام مجموعة من الطلاب مكتب عضو هيئة التدريس في أحد الجامعات وتهديده بساطور في حال تم رسوب الطلاب، إضافة إلى الحادثة التي حصلت مؤخرًا بين طالبة ومعلمتها بسبب أن المعلمة لم تقدم لها شهادة تقدير في أحد الأنشطة الصفية أسوة ببقية زميلاتها بحسب إفادة الفتاة، وقامت والدة الفتاة بعد ذلك بمناقشة هذه القضية وطرحها في الإعلام لتشكو ظلم المعلمة وتفرقتها بين ابنتها والطالبات، وقد أُنصفت هذه المعلمة لاحقًا بعد تحقيق إدارة التعليم وثبوت أنها كانت على حق، وأنها على العكس لم تفرق بين الطالبات، بل قدمت لهن جميعًا هدايا، أما الشهادات فأعطتها للطالبات المتفوقات واللاتي اجتزن الأنشطة الموضوعة.
تعددت الأسباب واختلفت ولكن لو تمعنا بالنظر إلى الحوادث والسلوكيات السيئة التي حدثت لوجدنا أن أغلبها ينصب حول غياب لغة الحوار بين الطالب والمعلم، وهذا يعد عنصرًا أساسيًا في منظومة التعليم، حيث إن فهم الطالب جيدًا ومعرفة نفسيته وفيما يفكر وكيف يفكر ومناقشته باستمرار وعدم الاستخدام بأي حال من الأحوال أساليب الضرب أو الإهانة ستسهل حقيقة على المعلم إيصال الرسالة التي يعمل من أجلها، وتساعده على تحقيق الهدف الأسمى وهو التعليم.
إضافة يجب أيضًا على وزارة الداخلية بالتعاون مع وزارة التعليم الحد من هذه السلوكيات السيئة، وتطبيق العقوبات الصارمة وعدم الاكتفاء بالفصل من المؤسسة التعليمية أو حرمان من دخول اختبار، وذلك لضمان عدم تكرار هذه السلوكيات، كما يجب أيضًا على وزارة التعليم بالتعاون مع وزارة الثقافة والإعلام بإلزام الجهات ذات العلاقة بعدم مناقشة أي قضية في الإعلام المرئي والمسموع لا تستوجب تدخل الرأي العام بين طالب ومعلم، وذلك لثبوت عدم جدواها سوى أنها تفقد المعلم والتعليم هيبته. إضافة أيضًا يجب على وزارة التعليم أن تحفظ هيبة المعلم من خلال دعمه وحفظ حقوقه، ومتابعة أدائه، ومراجعة أسلوبه في التعليم ومناقشته، وذلك لضمان سير منظومة التعليم بالشكل الصحيح. كما أن دور الأسرة مهم في توعية الطالب وتوجيهه، ومراقبة سلوكياته، ومتابعة تحصيله العلمي، وفتح نقاش دائم ومستمر مع المعلم والمدرسة لتدارك أي أخطاء أو مشكلات قد تحصل لتحقيق الهدف الأسمى وهو التعليم.
أخيرًا هناك مقولة تقول إذا أردت أن تهدم حضارة، هناك ثلاث وسائل وهي:
هدم الأسرة، وهدم التعليم، وإسقاط القدوة.
كي تهدم الأسرة عليك بتغييب دور الأم واجعلها تخجل بوصفها ربة منزل، ولكي تهدم التعليم عليك بالمعلم، لا تجعل له أهمية في المجتمع وقلل من مكانته حتى يحتقره طلابه، وكي تسقط القدوة عليك بالعلماء والمفكرين، قلل من شأنهم، شكك فيهم، حتى لا يسمع ولا يقتدي بهم أحد.
- كاتب وباحث في الشؤون الاجتماعية