خالد بن حمد المالك
أكثر من ستين إعلامياً وإعلامية ضمتهم رحلة اكتشاف المجهول إعلامياً عن قواتنا المرابطة على الحدود مع اليمن في جبهة نجران، نقلتهم طائرة خاصة، وتم تأمين هبوطها في مطار نجران الذي لم يعد يستخدم مدنياً منذ بدء عاصفة الحزم، ومن المطار إلى مقر الإقامة في أحد الفنادق في نجران كان الطريق يسمح لنا بالتعرف على طبيعة التضاريس، وتدخلها في سير المعارك هناك، فالمنطقة بين جبال شاهقة، إلى منحدرات سحيقة، ما يساعد على الدفع بالمغرر بهم من اليمنيين والمرتزقة إلى أتون المعركة، وتشجيعهم على التسلل، وتجاوز الحدود اليمنية مع المملكة إن استطاعوا، وهو ما كلفهم بشرياً العدد الكبير من الضحايا الذين جاءوا إلى هذه المواقع، وكأنهم يبحثون عن حتفهم.
* *
ومن المطار إلى الفندق، كان هناك ما يلفت النظر، طريق طويل وجميل يخترق المدينة، وعلى جانبيه تمتد المحلات التجارية والمطاعم والورش وغيرها في تنظيم بديع، وحركة بيع وشراء كبيرة ولافتة، فيتساءل الإنسان، كيف تكون حالة هذه المدينة بهذا الشكل، وعلى بعد كيلومترات من مواقعنا تسمع قَعْقَعةَ السلاح، وهدير الطائرات المقاتلة، بما يؤكد أننا في أجواء قتالية، وحرب حقيقية، فيما أن الحركة بالمدينة تبدو عادية كأي مدينة أخرى بعيدة عن أجواء الحروب، لتجد الإجابة، بأن هذه الأصوات هي لعمل عسكري سعودي متطور في كسب المواجهات، وهي من أعطت مظلة للأمن في المدينة وبين الناس.
* *
أي أن الناس هناك، وكما رأيناهم، والتقينا كثيراً منهم، كانوا لا يعبؤون بما يجري إلا بقدر ثقتهم بأن أحداً لن يمس هذه الأرض بسوء ورجالنا البواسل في الأرض والجو والبحر يذودون عنها-بعد الله-، وهي ثقة عززت وأضافت إلى القدرات التي يتمتع بها العسكريون السعوديون شيئاً كثيراً، وأسهمت في حسم مبكر للمعركة القتالية مع أتباع علي عبدالله صالح وعبدالملك الحوثي، حيث تم تحرير ثمانين بالمائة من الأراضي اليمنية التي كانت تحت سيطرة الانقلابيين، وبالتالي أصبح الضجيج الإعلامي هو سلاح العدو أمام فشله عسكرياً.
* *
أقول لكم أكثر من ذلك، وعلى لسان أمير المنطقة سمو الأمير جلوي بن مساعد، فقد تحدث لنا طويلاً وكثيراً خلال استقباله مرتين للوفد الإعلامي من زملاء وزميلات عن المواطن النجراني، مثنياً ومثمناً دعمه للمجهود الحربي، ووضعه نفسه في تصرف الجهات المسؤولة للانخراط في القوات المسلحة دفاعاً عن الوطن، وأنهم جاهزون لتلبية الواجب، والاستجابة لأي طلب، غير أن سموه طمأنهم بأنهم ذخر، لكن لا حاجة لهم، مشيراً سموه إلى أن أبناءهم هم من يقومون بكفاءة عالية نيابة عنهم بهذه المهمة، ومؤكداً للإعلاميين أن آباء هؤلاء أو أجدادهم هم من وقفوا إلى جانب الملك عبدالعزيز في ملحمة توحيد المملكة، ووضعها على عتبة هذا الاستقرار الذي تعيشه الآن.
* *
من بين ما تسجله الذاكرة كانطباع سريع، أن العسكريين بمختلف رتبهم ومواقعهم ومسؤولياتهم لم يفقدوا الابتسامة، ولم تنسهم هذه الحرب التي فرضت عليهم مداعباتهم، لأنهم يؤمنون بأن النصر الذي تحقق لهم إلى اليوم، قد أبقاهم على ما كانوا عليه في حالة السلم، حتى وإن كانوا الآن في جبهات القتال، حتى وإن كانوا قد تركوا الأهل والولد، واستقروا بين الجبال، تنفيذاً لإفشال ما كان من خطر يحدق بالمملكة لو لم يتم التدخل العسكري، والإعلان عن عاصفة الحزم، ولو لم تسارع قوات التحالف بقيادة المملكة في الضربة الصباحية المباغتة التي أفشلت مخطط إيران، وقضت على القوة العسكرية اليمنية التي تم بناؤها بأموال المملكة ودول الخليج.
* *
لقد كانت جولة إعلامية تليق بامتياز بقواتنا على الجبهة، وتفتح الطريق أمام تعاون إعلامي قادم، يصحح ما كان من نقص إعلامي ملحوظ، خاصة وإيران بالقنوات الممولة منها، تنقل الأكاذيب عن المعارك، وتتحدث عن إنجازات عسكرية وهمية للعدو، وتستخدم في (فبركتها) للصور ومقاطع الفيديو أسلوباً رخيصاً لإقناع السذج من اليمنيين بانتصارات غير حقيقية لدفعهم إلى التجاوب بالدخول إلى المعركة في حرب عصابات، لا يملكون أدواتها ومعارفها وعلومها ومهاراتها وثقافتها المطلوبة لمن يريد أن يكون مشاركاً فيها.
يتبع........