«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
مع استمرار أمطار الخير والبركة، جمعت بعض الجوامع والمساجد وفي مدننا ما بين صلاتي المغرب والعشاء تسهيلاً للمصلين وتخفبفًا عليهم من مشقة العودة لصلاة العشاء في مثل هذه الأجواء المشبعة بالمطر؟! وكنا ونحن فتية نتجه لمسجد الفريج أيام المطر، كنا بيننا وبين أنفسنا ندعو الله أن يقوم إمام المسجد بجمع الصلاتين، بالرغم من أن أيامها ليس لدينا ما نهتم به أو نشغل وقتنا فيه إلا القراءة ومع هذا كنا سعداء بذلك.. وكان أجدادنا وآباؤنا في قمة السعادة وهم يتعاونون في عمل قناة في بطن الطرق بين بيوت المدينة لتتجه هذه القناة الترابية إلى خارج المدينة خلف السور، حيث كانت مدينتي الهفوف والمبرز محطاتين بخنادق تحيطها كإحاطة السوار بالمعصم.. وعندما تهطل الأمطار غزيرة. تشاهد «مرازيم» البيوت وهي تصب مياه الأمطار التي تجمعت في سطوحها لتدفعها خارجًا من هذه المرازيم في مشاهد جميلة وأصوات المياه وهي ترتطم بأرضية الطريق الطينية محدثة إيقاعات مثيرة للشجن والمتعة لكل من يشاهدها والأجمل عندما ترى البعض من السكان وهم يقومون بمضاعفة القناة الترابية التي تستقبل مياه الأمطار من المرازيم ومن فتحات البيوت. الموجودة تحت عتبة كل باب.. وعادة ما تشاهد بعض المارة وحتى أطفال الأحياء وهم يخرجون من بيوتهم وهم يضعون على رؤوسهم أكياس «العيش» الخيش التي كانت في الماضي تستعمل كمظلة واقية من المطر. وغالبًا ما يستعملها الجميع خصوصًا العمال والفلاحين.. وكانت أكياس «الخيش» التي يحتفظ بها بعد استعمال ما فيها من أرز أو قمح أو حتى حبوب أو بقوليات أو الخبز الجاف. كانت ربات البيوت حريصات على عدم التفريط في هذه الأكياس نظرًا لفائدتها ولوجود عدة استخدمات لها في كل بيت، بل كانت في أسواق الأحساء محلات (دكاكين) متخصصة في بيع أكياس الخيش القادمة التي كانت تستورد من الهند؟! ويقوم عزها في فصل الشتاء، وعلى الأخص في الأيام الممطرة كمثل هذه الأيام الخيرة. حيث تراها فوق الرؤوس ولتشكل معطفًا يقى من رذاذ المطر.. ومن الأشياء التي تذكر على هامش الأمطار. هي تلك الرائحة الطيبة التي تنبعث من البيوت الطينية بعدما تتشبع بمياه الأمطار. فلها رائحة مميزة. بل ما زلت أذكر مقولة أحدهم وكان يجلس على دكة دكان «الفريج» وهو يحتسى «استكانة» شاي لصاحبة الدكان: صدقني يا بوعبد الرحمن أكاد أشم «ريحة العافية» وأتذكر كيف كنت أساعد الوالد -رحمه الله- في بناء بيتنا وكيكنا نخلط الطين بالتبن والقش ليتماسك اللبن؟! أذكر ذلك جيدًا وأنا اكتب هذه «الإطلالة» وأتذكر ما سمعته عن «ريحة العافية» وتعب الأجداد والآباء الذين بنوا بيوت مدننا الطينية في الماضي.. وما زالت ذاكرتي تحمل صورًا للطرق الزراعية المبللة بالمطر والضباب يكسوها ونحن نعبرها في طريقنا لبستان جدي وصور أخرى باسمة وكيف كنا نفرح بسعادة ونحن نتضاحك خلال خوضنا في مياه الأمطار عندما تتجمع في «براحة الفريج»، بل كنا نتقاذف كرات الطين كما يفعل جيل اليوم في المناطق التي شهدت سقوط الثلج والبرد حيث يلعب الكبار والصغار بكرات الثلج! لا شك هناك فرق كبير بين كرات الطين وكرات الثلج لكنهم يجتمعون في نقطة كبيرة وواسعة هي: المرح والفرح.. بقدوم زائر اشتاقت إليه النفوس. خاصة عندما تطول فترة غيابه.. أخيرًا أنني أكتب هذه السطور وصوت خرير المياه أسمعه وهو ينساب من المرازيم، وأنا أحمد الله على خيره وعطائه غير المحدود.. وكل مطر وبلادنا في خير.