د. محمد عبدالله العوين
تحقق العمليات الأمنية الاستباقية في اجتثاث الإرهابيين وكشف مخططاتهم الدنيئة أعلى حالات التفوق التي تدوَّن في سجل الجهاز الأمني السعودي المشرف من جانب، وأعلى حالات الصفعات المتتالية للفكر الإرهابي والمنتمين إليه ولكل «خائن» ذليل للوطن.
بيان الداخلية الأخير يكشف بجلاء عن صورة رائعة من صور التمكن والمقدرة الفائقة في الإطاحة بالإرهابيين قبل ارتكابهم جرائمهم بالقبض على ثمانية عشر إرهابيا ينتمون إلى أربع خلايا عنقودية تنتمي إلى داعش في مكة والمدينة والرياض والقصيم تؤوي المنتمين إلى الفكر التكفيري، وتعمل للتجنيد إلى التنظيم الإرهابي وتتواصل معه في سوريا، ويظهر البيان دقة عمل الجهاز الأمني وطول صبره في المراقبة وتتبع خيوط التواصل والاتصال بين أعضاء الخلايا والتنظيم الإرهابي في سوريا.
وصف «الخيانة» هو أقبح ما يمكن أن يوصف به أي إِنسان يزعم الانتماء إلى وطنه ثم يعمل على الإخلال بأمنه أو العمل على إثارة الفوضى فيه، أو إعلان الولاء لغير قيادة الوطن، أو مساعدة أعداء الوطن بأي صورة من الصور بتسريب معلومات أيا كانت تضر بأمن الوطن، أو العمل على نشر الشائعات الكاذبة المضخمة بقصد إثارة الاحتقان والكراهية ضد نظام الحكم، أو التأليب على كراهية القيادة السياسية والبحث عما ينفر ويفرق ويحمل على شق الصف الوطني، أو تهريب الأسلحة وتيسير حصول أعداء الوطن عليها، أو الانتماء إلى أي تنظيم مهما كانت صفته ومهما تزيَّا وتجمل بالدعاوى الدينية أو الإصلاحية أو النهضوية أو الانفتاحية يهدم كيان الوطن ويثير الفرقة والشقاق بين أبنائه ويؤلب على الفوضى والفتنة والاحتراب الداخلي.
كل هذه الصور المرذولة يضع الجهاز الأمني الواعي يده عليها بتميز يثير الإعجاب؛ بما اكتسبه من وعي سياسي وفكري وأمني عميق بالاتجاهات الحزبية والدينية والانتماءات الطائفية، وما يعمل أعداء الوطن في المحيط الإقليمي القريب على الإفادة منه للإضرار بالوطن وإضعافه وتمزيق وحدته وإثارة الاضطرابات فيه؛ ولكن توفيق الله أولا ثم حكمة القيادة وتفوق رجال الأمن وتعاون أبناء الوطن أحبط السلسلة الطويلة من المكر والتخطيط والتأليب والتحشيد وتخزين الأسلحة وجمع الأموال والاتصال بدول أو بقادة التنظيمات الإرهابية في الخارج، وبقي وطننا - ولله الحمد - آمناً مستقراً يواصل مسيرته ويبني وينجز وسط عالم عربي مضطرب يموج بالفتن والحروب والدماء والدمار.
لا تعاريف متعددة للـ «الخيانة»!
الخيانة واحدة؛ مهما تبرقعت وتزينت بالأصباغ، ومهما انتحلت الصلاح والزهد والتقوى.
ألم يحدثنا الرسول - صلى الله عليه وسلَّم - عن «الخوارج» الذين يقرؤون القرآن لا يكاد يجاوز تراقيهم؟ ويبالغون في التعبد والصيام ويزهدون في كثير مما أحل الله؛ ولكنهم لا يتورعون عن إراقة دماء المسلمين بحجة «التكفير» ولا يرعوون عن استحلال أموالهم وأعراضهم، ولا يجدون غضاضة في استحلال دماء أهل الذمة مهما كان بينهم وبين المسلمين من عهود ومواثيق؛ كما صنع «الخوارج» في مجتمعنا خلال سنوات التفجير والإرهاب الخمس من 1423هـ - 1427هـ إلى أن قضى عليهم رجال أمننا الأبطال؛ فقُتل من قُتل وقُبض على من قُبض عليه منهم، وفر من فر إلى مواضع الفتن، أو اختبأ من اختبأ إلى أن مكن الله منهم، وما العمليات الاستباقية الباسلة التي تتم بين وقت وآخر إلا ملاحقة موفقة ورائعة لبقايا هذا الفكر الخبيث.
الخيانة واحدة؛ سواء تدنس بها من يدعي التدين وهو جاهل أو منحرف أو فاسد المعتقد أو ضال التفكير، أو من يدعي الإصلاح وهو يضع يده في أيدي أعداء الوطن أو يفسد أكثر مما يزعم أنه يسعى لإصلاحه بحماقته وجهله بظروف المراحل وأسباب وحيثيات أي قرار، أو من يدعي الحقوق وهو جاهل ما هي الحقوق التي يطالب بها، أو من يرتدي لباس رجال الأمن؛ ولكنه ينزع من قلبه ووجدانه الإيمان بشرف لباس الأمن وما أقسم على الوفاء به؛ فيخون الأمانة التي لم يبر بما تعهد الله عليه أن يبر به من حماية للوطن وطاعة لولي الأمر.