جاسر عبدالعزيز الجاسر
في السنوات العشر الماضية تعرضت عدد من مناطق ومدن المملكة إلى أضرار جسيمة إثر هطول الأمطار الغزيرة مما تسبب في تعرض تلك المدن إلى سيول غامرة كشفت ضعف البنية التحتية في تصريف مياه الأمطار، وسوء التخطيط لكثير من المشاريع وزاد في هدر الأموال وعدم الاستفادة مما رصد من مشاريع في البنية الأساسية سوء التنفيذ بل وحتى الفساد في الإشراف مما شجع الكثيرين على الاعتداء والتجاوز ومحاولة تخريب مسارات المياه الطبيعية التي ساعدت في الأعوام الماضية على جريان السيول من خلال الأودية التي جعلها الله مسلكاً لجريان المياه لتمكين المزارع من الارتواء من المياه، إلا أن الجشع وفساد الذمم وعدم ردع المعتدين على الأودية والمزارع وبناء المساكن في المزارع في الأودية والشعاب أدّى إلى اعتراض الطرق الطبيعية لجريان السيول مما سبب كوارث عانت منها المدن السعودية مثلما حصل في جدة، والرياض، والآن أبها، وخميس مشيط، والدمام، والخبر، والخرج، والباحة، وقبل ذلك مكة المكرمة، والمدينة المنورة، وجازان.
وهكذا لم تنجُ مدينة سعودية من كوارث غزارة هطول الأمطار وأخطار السيول وكل هذا حصل بعدما ثبت من تحقيقات أنه بسبب الإهمال بل وحتى الفساد بسبب منح رخص البناء في بطون الأودية والشعاب.
التحذير مما يحصل الآن من كوارث بسبب الأمطار والسيول حصل قبل أكثر من عقد وتمثل في الكارثتين اللتين شهدتهما مدينة جدة، ومنطقة جازان، ومع هذا وبعد حديث انشغال لم يطل كثيراً تناسينا ما حصل في جدة، وجازان، واستمرت الأخطاء والممارسات وتواصل منح رخص البناء فيما لم تصلح الأخطاء ولم تعالج الأسباب التي أدت إلى حدوث الكوارث، لنتفاجأ في تكرار الكارثة في الرياض، ونفس الأسباب التي حصلت فيما سبق بجدة، وجازان وهي بناء المساكن في بطون الأودية والشعاب واحتجاز مياه السيول التي تكاثرت بسبب ازدياد نسب هطول الأمطار، وقبل أن نعالج ما حدث في الرياض، وبعد مسح كارثتي جدة، وجازان من ذاكرتنا، تتكرر المأساة في مكة المكرمة، وبعدها في المدينة المنورة، والآن في الخرج والدلم ومدن المنطقة الشرقية ومنطقة عسير، ومنطقة الباحة، إذ إن كوارث السيول شملت جميع مناطق المملكة دون استثناء ومعناه أن الخلل شامل والفساد مستشرٍ في العديد من المفاصل مما يستدعي تدخل جاد وعمل حازم وليس كما يحصل بعد كل كارثة حيث ننشغل بها عدة أيام وأسابيع ثم يخفت العمل ونتناسى لنفوق بعد ذلك ونصحوا على كارثة أخرى في مكان آخر أو تتكرر في نفس المكان.
وبعد المتغيرات البيئية والجوية التي تشهدها الكرة الأرضية بسبب الاحتباس الحراري وتمادي الدول الصناعية في تدمير بيئة الأرض، حذّر العديد من الخبراء من تغير في مناخ العديد من المناطق يصاحبه ارتفاع في منسوب مياه البحار والمحيطات وازدياد نسب سقوط الأمطار، ونشرت العديد من الدراسات والأبحاث التي لاشك أنها وصلت إلى الدوائر المختصة والمسؤولة وأن الأمر لم يعد مثلما كان في السابق عندما كانت الأمطار تأتي على استحياء لمدننا وتلّطف شوارعنا برشات ثم تغيب أشهراً حتى العام القادم، الآن الشوارع تفيض والسيول تجتاح المدن وتجرف المساكن والسيارات وتفتك بالبشر ولا ينفع أن تقوم أمانات المناطق وبلديات المدن بتنظيف مناهل ومخارج مياه الصرف في الشوارع والأنفاق فالأمر لم يعد انسداد المناهل بسبب الأتربة ولا إغلاق نفق أو شارع، بل الأمر وصل إلى تهديد سلامة سكان مدن كبيرة، بل وحتى منطقة بأسرها كما حصل لجازان وعسير.
إذن وبما أن الأمر أصبح كبيراً وأن الكوارث أصبحت تتوالى وتتابع فلابد من عمل علمي ومدروس وحازم وهذا لا يتأتى إلا بتشكيل لجنة وزارية على مستوى عالٍ تضم كل الوزارات ذات العلاقة، وأن تكون قراراتها ملزمة وحاسمة وحازمة في نفس الوقت تنفذ حتى على ما تم تنفيذ من مبانٍ كالتي أقيمت في بطون الأودية والشعاب والتي اعترضت مسارات المياه، وأن تضع اللجنة حلولاً لما سبق أن حصل وأن تنظر في إجراءات وتصورات مستقبلية لما سيحصل في ضوء الأبحاث والدراسات التي تؤكد جميعها ارتفاع نسب سقوط الأمطار في الأعوام القادمة.