اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
والأهداف السياسية للنظام الحاكم في إيران تشكل أسباباً جوهرية للعداوة تحل ثانياً في التسلسل بعد الأسباب الايديولوجية، ورغم أن هذا النظام استطاع منذ زمن مبكر اختراق الأمة العربية وزراعة تنظيمات عميلة وأذرع دخيلة في كل من العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، والبحرين، إلا أن الاحتلال الأمريكي للعراق، وما يعرف بالربيع العربي والاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى، والتدخل الروسي في سوريا وما تبعه من تشكيل الحلف الشيوعي الشيعي والموقف الأمريكي والغربي والتخاذل العربي والدولي، كل هذه العوامل فسحت المجال أمام إيران لكي تنفذ مشروعها الطائفي في المنطقة وتوسع من نفوذها الإقليمي، مضيفة إلى نشاطاتها المستترة نشاطات سافرة تجاوزت المفهوم الضيق للتدخل في الشأن الداخلي في كل من العراق وسوريا إلى ما يشبه الاحتلال مع عزل هاتين الدولتين عن عمقهما العربي وجعلهما مسرحاً للتنظيمات الإرهابية والتدخلات الخارجية، علاوة على ما يعانيه لبنان بسبب التدخل الإيراني في شئونه الداخلية حيث تبدو حكومته الشرعية مغلوبة على أمرها نتيجة لاغتصاب السلطة من قِبَلْ مليشيا إرهابية، تأتمر بأوامر دولة أجنبية على حساب الحكومة الشرعية والسيادة الوطنية والقومية العربية، كما ذهبت إيران بعيداً في تهديدها للأمن القومي العربي عن طريق تدخلها في اليمن والتبجح باحتلال أربع عواصم عربية وتحوُّل هلالها الشيعي المزعوم إلى بدر وقوسها الرافضي المسموم إلى دائرة.
وكان أول رد صارم وموقف حازم على نظام الملالي يصدر من المملكة ومعها دول مجلس التعاون ودول التحالف العربي، بعد أن اتخذت قيادة المملكة قرارها الحاسم الذي انطلقت بموجبه عاصفة الحزم، وما تلاها من علميات عسكرية هدفها تأمين حدود المملكة ضد التهديد الذي تتعرض له، وجعل الوطن والمواطن في منأى عن الحرب المفروضة عليهما، وفي الوقت نفسه تهدف إلى دحر إيران ومنعها من التغلغل في داخل اليمن وإنقاذ هذا البلد من المصير الذي آلت إليه الدولتان العراقية والسورية بسبب التدخل الإيراني.
وقد نجحت دول التحالف العربي بقيادة المملكة في كبح جماح المد الصفوي في اليمن وإفشال المخطط الرافضي الذي يتولى تنفيذه بالوكالة طغمة ظلامية إرهابية استقوت بالأجنبي ضد وطنها وأبناء شعبها، وبلغت بها العمالة والخيانة إلى الانقلاب على الحكومة الشرعية وارتكاب مجازر ضد الشعب اليمني شبيهة بتلك التي ترتكبها التنظيمات الإرهابية والنظم العميلة والمليشيات الشيعية الإجرامية في كل من العراق وسوريا بقيادة إيرانية.
وقطع المملكة لعلاقاتها السياسية مع النظام الإيراني ورفض الحوار معه كان قراراً صائباً وإجراءً مناسباً لا مندوحة من اتخاذه، ولكن القرار الأكثر صواباً هو ربط فتح باب الحوار معه بالعودة إلى رشده والكف عن تدخلاته وممارساته المشبوهة في دول المنطقة، وهذا الهدف يتطلب تحقيقه المزيد من الإصرار عليه وعدم التراجع عنه قيد أنملة مع اللجوء إلى استخدام سياسة القوة وقوة السياسة ضد هذا النظام المخادع الذي لا يعرف من الأصوات إلا صوت القوة ولا يعرف من السياسة إلا خبثها ونفاقها.
وطبيعة نظام الملالي والعقلية المتطرفة التي يتعامل بها مع الآخرين، لم يتركا مجالاً لأحد بأن يظن فيه ظناً حسناً أو يثق فيه، بل لابد من أن يكون الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان خاصة وأن الواقع الذي فرضه هذا النظام في المنطقة وفر له مكاسب جيوسياسية لن يتراجع عنها بسهولة، كما أن تحجيم نفوذه المتنامي يستدعي وقفة خليجية وعربية تختصر الزمن، وتعيد للأمة العربية اعتبارها بعد أن دنس شرفها غزاة الفرس والروس.
وبما أن أسباب العداوة المتجذرة مع نظام الملالي تعود إلى أسباب عقائدية بالدرجة الأولى وسياسية بالدرجة الثانية وعداوة موروثة بالدرجة الثالثة فإن السيطرة على هذه العداوة ولجم محركاتها وتحييد انعكاساتها، وجعلها في أدنى مستوى، تختفي معه نزوات هذا النظام، لن يتحقق هذا الأمر إلا بوجود الرعب المتوازن والردع المتبادل والمعاملة بالمثل على النحو الذي يجعل النظام الحاكم في إيران يحسب حسابه قبل أن يُقدم على أي خطوة معادية، وعندئذ تأخذ السياسة طريقها والحوار يكون له معنى وتصبح الحيلة أجدى من الوسيلة وقد قيل: دار عدوك لأحد أمرين أما لصداقة تؤمنك أو لفرصة تمكنك، والأولى مع نظام الملالي غير ممكنة والثانية بالمواقف مرتهنة وقد قال الشاعر:
ستلقى من عدوك كل كيدٍ
إذا كاد العدو ولم تكده
وسياسة الأمر الواقع المفروضة على المنطقة العربية يحتاج تصحيحها ومحو آثارها إلى سنوات والمرور عبر سلسلة من الأولويات مما يحتم على دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة المملكة والدول العربية والصديقة المتحالفة معها اعتماد سياسة القوة وقوة السياسة في التعامل مع النظام الحاكم في إيران مع وضعه في دائرة رد الفعل بدلاً من أن يكون هو الفاعل واستغلال نقاط ضعفه ضده، بما في ذلك الاستفادة القصوى من توجه الإدارة الأمريكية الجديدة والتصعيد الكلامي بين الطرفين، حتى يجد هذا النظام نفسه يتخبط في الطريق المسدود وأمام الباب الموصود وعندها يعرف قيمة الاصطبار ويثمر معه الحوار.