عبدالعزيز السماري
شهدت العاصمة النمساوية تظاهرات حاشدة أمام مبنى الأمم المتحدة أمس الأول، بعدما دعت إليها حركة النضال العربي لتحرير الأحواز؛ وذلك تضامنا مع الشعب العربي الأحوازي، وما يواجهه من قمع وتجاوزات وحشية واحتلال وطمس للهوية العربية.
وإذا أردنا فهم قضية الصراع الحالي مع إيران، فعلينا النظر بعمق إلى قضية الأحواز في غرب إيران، أو دولة الأحواز التي تم إخضاعها للسلطة الفارسية ضمن المخطط العالمي بعد الحرب العالمية، والجدير بالذكر أن جميع عرب الأهواز على المذهب الشيعي، ويوجد قلة تحولوا إلى السنة، ويسمون سنة الأهواز.
تاريخيا الأهواز إمارة عربية ضاربة في عمق التاريخ، وتتمتع بالحكم الذاتي في عهد الانتداب البريطاني، وضمها الشاة لإيران عام 1925 بعد اكتشاف النفط بالمنطقة،و تم القضاء على إمارة بني كعب العربية بعد أسر الشيخ خزعل الكعبي في25 نيسان/ أبريل 1925 من قبل فارس وإعدامه..
يعد هذا الحراك مثالا صارخا على أن الإنسان جوهره هويته، والهوية لا يمكن أن تُفصل عن جذوره الثقافية، والهوية العربية ضاربة في التاريخ، وتمتد إلى عشرات القرون، ولا يمكن انتزاعها من عقل العربي بإثارة نعراته المذهبية والطائفية النتنة..
جوهر الهوية هو اللغة بكل ما تعنيه من كلمة، فاللغة أكبر من كلمات نرددها خلف أنشوده، أو أبيات نستخدمها لإلقاء قصيدة، لكنها هي اللغة التي بمثابة الوعاء الحضاري الذي لا يتوقف عن النمو والتطور، والقادر على استيعاب العلوم الحديثة والمصطلحات الأحدث.
الهوية تستمد قوتها من المعاني الثقافية والمعرفية للغة، و تتحول بإثرائها إلى مصدر أمن في المجتمعات، ولهذا نفهم لماذا تحاول إيران تفريس الأهواز، وتحويلهم إلى فرس من الدرجة العاشرة في أراضيهم، ولماذا دولة في حجم اليونان أو فنلندا تُخضع مختلف علومها ومعارفها إلى لغتها الأم ..
الهوية قد يعاد إحياءها من الموت، كما حدث في الدولة الصهيونية، والتي أعادت الحياة للغة العبرية، لتكون وعاء ثقافيا للطب والتكنولوجيا والاقتصاد، لكنها مصابة بآفة العنصرية، ولهذا ستفشل في مساعها لتهويد الأرض، فالعربي وإن أتقن العبرية أو تحول إلى اليهودية لا يمكن أن يصبح يهودياً صرفاً، في حين يبقى اليهودي عربيا إذا كان من يهود العرب.
عندما تتحول اللغة الأجنبية إلى غاية في مجتمع، فأعلم أن ثمة خللا في هويته، فتعلم اللغات الأخرى وسيلة، وليس غاية يتفاخر بها أبناء الذوات، وينشدها الكادحون من أجل أن ينالوا رضاهم في سوق العمل.
ما يحدث في الأحواز من حراك هو ثورة ثقافية، وهي أعمق وأكثر تأثيراً من النعرات الطائفية، والتي تحولت إلى خنجر مسموم في ظهر الحال العربية، والتي أصبحت تئن تحت مرض الفهم الخاطئ للدين، ولهذا يجب إعادة الاعتبار للثقافة العربية، ليس كحراك أيدولوجي، ولكن كعمق ثقافي مشترك من المحيط إلى ماوراء الخليج.
الحراك الأحوازي يرفع الراية العربية عالياً، و هو إحياء يحمل أكثر من رسالة حضارية إلى العراق وسوريا وبعض دول الخليج، فالهوية العربية أكبر من النعرات الطائفية والعرقية، وعليهم تجاوزها، والعمل خارج دوائرها إذا هم أرادوا الاستقرار، وأن يحضوا باحترام الشعوب الأخرى، كما أن الهوية العربية لا تعني العرقية أو القبلية، ولكن تعني تلك الهوية التي كانت يوماً ما الوعاء العالمي لمختلف العلوم والمعارف..