النفس البشرية تتأثر بالمعلومات المحيطة بها، فهي تتأثر بالجمال والقبح، والأمن والخوف، والفقر والغنى، والغضب والتسامح، وهكذا دواليك!
ولذا، فإنَّ الكلمة تعمل عمل السحر في النفس الإنسانية، سواء كانت سلبية أو إيجابية، وقد تكون السلبية أشد تأثيراً وإيلاماً وإزعاجاً للنفس من أدوات القتال التي تُستخدم في مناسبات عدة.
الكلمة عامل معنوي، إضافة إلى أنها لفظ معنوي، وهي تترجم لدى مستقبِلِها إلى إشارات سلبية أو إيجابية يستقبلها المخ فتعمل في الجسد.. ألا تراه يغضب وتحمَرُّ أوداجه وتتسع حدقة عينيه من كلمة ما!
وكل هذه التغييرات الفسيولوجية أحدثتها كلمة،
ولذا أنت تستطيع أن تحطم طاقة إنسان بكلمة، والعكس صحيح!
حينما تطلق كلمة حسنة نجد مستقبِلَها يرتاح ويبتسم ويتفاعل معك وينصت لما تقول، وبالكلمة تستطيع أن تبني أمةً من شبابها وأطفالها بل وشيوخها. ولذا، فإن الكلمة الطيبة صدقة، والكلمة السيئة ذنبٌ أيضاً.
فلينتبه كلٌ منا لما يخرج من لسانه ومن الكلمات التي يطلقها على أبنائه وزوجته وأقربائه وأصدقائه وتلاميذه إذا كان معلماً، وكذا زملائه في العمل إذا كان يعمل. وفي الشارع حينما يلاقي أي إنسان لظرف من الظرف وهكذا.
وهنا أحب أن أسرد قصةً حقيقيةً حدثت لي تأييداً لما ذكرت في تأثير الكلمة على النفس، إذ إنه ذات يوم وبالتحديد يوم خميس في سنة 1430هـ وفي الصباح ذي الجو الربيعي الجميل كنت أمشي في ممشى حديقة محمد بن القاسم بالروابي بمدينة الرياض، وعادة حينما أمشي وفي اللحظات الخفيفة جداً أضع يديَّ على صدري، وأثناء ذلك مررت على ثلاثة من الشبان الجالسين بالقرب من الممشى في الحديقة وأعمارهم تتراوح بين السادسة عشرة والثامنة عشرة، فيما يبدو، وهم - للأسف - ينفثون سموم الدخان، فبادرني أحدهم: سلامات يالطيب لماذا تضع يدك على صدرك؟ هل قلبك يؤلمك؟ دعنا نوصلك إلى المستشفى! فرددت عليه عاجلاً: جزاك الله خيراً، أنا لا أدخن، الحمد لله!
أطلقتُ هذه الكلمة واستمررت بالمشي ولم أُلقِ لها بالاً مطلقاً، وكان هدفي من ذلك هو النصيحة المستعجلة أن الدخان هو السبب الرئيس لأمراض القلب والأمراض الأخرى، وقبل أيام عدة أي بعد ثماني سنوات قابلني شاب ربما في الخامسة والعشرين من العمر في أسواق الربوة للخضار وسلَّم عليَّ بحفاوة بالغة جداً، فقلت في نفسي ربما أنه مُشبِّهٌ عليَّ، أو من الشباب الذين لا أعرفهم وهم كثر، لكنه أضاف كلمةً هي التي جعلتني أستوثق منه كثيراً حيث قال: والله إني أدعو لك كثيراً لأنك أنقذتني من شيء خطير! فاستغربتُ وقلتُ ما هو؟ فأجاب: هل تتذكر ذات يوم حينما كنا في حديقة الروابي ومررتَ علينا ماشياً وعرضتُ عليك إيصالك إلى المستشفى -وللأسف- كنت مستهزئاً! لكنك في الحقيقة أنقذتني -بعد الله- من هذا الوباء الخطير. قلت له: كيف؟ قال: حينما ذهبتَ منَّا أصبحتُ أفكر في كلمتك ولم أنهِ السيجارة بل رميتها على الأرض وأصبحت بعد ذلك أعيش في تفكير مستمر حيال هذا الموضوع، ولماذا أُدخن؟ وبعد أسبوع بالتحديد أُصبت بالتهاب بالحنجرة مع ارتفاع شديد في الحرارة مما اضطرني للذهاب إلى طوارئ المستشفى، وحينما فحصني الطبيب قال لي مسرعاً: لديك التهاب بالحنجرة ولا فائدة من أي علاج سأكتبه لك طالما أنك توقد حنجرتك بالدخان الذي له تأثير واضح عليها. عندئذ تذكرت كلمتك وكأنك تقف أمامي، وهنا وعدت الطبيب أنني لن أدخن مطلقاً، والذي اتضح من خلال تعبيرات وجهه أنه غير مصدق لما أقول، المهم خرجت من عنده وكانت علبة السجائر في جيبي ولم يؤخذ منها سوى اثنتين فقط، فما كان مني إلا أن رميت العلبة في برميل الزبالة قاطعاً على نفسي عدم العودة إلى ذلك ومتخذاً كلمتك وكلمة الطبيب نبراساً يساعدني بعد الله كلما تذكرت ذلك الداء الخبيث، استمررت شهراً وأنا في عراك مع نفسي حول هذا الموضوع إلا أنه بتوفيق الله ثم بالإرادة وتذكر كلمتك والطبيب ما زلت - بحمد الله - مستمراً على ذلك، وهذا ما يجعلني أستمر بالدعاء لك باستمرار. وحينما سمعت ذلك حمدت الله وشكرته على اهتمامه وتمنيت له التوفيق في حياته العامة. من هنا انظروا كيف كان للكلمات المختصرة جداً من تأثير على هذا الشاب الصغير. فلله الحمد من قبل ومن بعد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.