محمد آل الشيخ
الصراع السياسي في العراق بين الصدريين وحزب الدعوة هو صراع في جوهره شيعي شيعي؛ أي أنه بين فصيلين متأسلمين مسيسين شيعة، ينتمون لذات المذهب؛ غير أن المصالح، ومقتضيات النفوذ، جعلت كلاً يدّعي أنه يُمثل المذهب الشيعي تمثيلاً صحيحاً، في حين أن مناوئه فاسد، يفتئت على الإسلام افتئاتاً واضحاً كما يتهم كل طرف الطرف الآخر؛ ولو دخل أهل السنة في هذه التجاذبات السياسية، لأصبح الصراع بين ثلاث فئات من المتأسلمين، سواء كانوا من السنة أو الشيعة؛ بمعنى آخر أن كل المنتمين لأي مذهب من المذاهب الثلاثة سيُحرض على من يقف موقف الضد منه تحريضاً مذهبياً دينياً، على اعتبار أنه (ضد الدين).
من هنا يبتدئ التطاحن والقتل والدماء والفتن التي هي بمثابة الإعصار الذي يعصف بكل ما يمر به فيخلف الدماء والخراب والدمار؛ لذلك لا يمكن إطلاقاً أن نجتث أسباب وبواعث الفتن، وبالتالي الإرهاب، إلا إذا اتفق المسلمون على النأي بالدين الحنيف عن وحول السياسة، وترفّع رجال الدين عن الانغماس في مستنقعات تجاذباتها؛ وهذه الغاية لن تتحقق إلا بتطبيق المبدأ الذي طبقه الغربيون بعد أن طحنتهم الحروب والنزاعات الدينية والمذهبية، وفحوى هذا المبدأ: (الدين لله والوطن للجميع). وهو المرتكز الأساس الذي يقوم عليه التعايش بين الغربيين، رغم أنهم طوائف ومذاهب وأعراق مختلفة، وقد كان تاريخهم مكتظ بكثير من الحروب والنزاعات المذهبية، تماماً كما يعيش العرب الآن.
وأنا على يقين تام أننا لن نجتث الإرهاب إلا بالقضاء على بواعثه ومسبباته، وأهم مسبباته إبعاد الدين، أو بلغة أدق، المذهب، عن التدخل في شؤون السياسة.
خذ -مثلاً- من أهل السنة جماعة الإخوان الإرهابية، وربيبتهم السرورية، والقاعديين، وأخيراً (داعش) وأخواتها؛ ثم خذ في المقابل من الشيعة حزب الدعوة وقرينه حزب الله في لبنان، والصدريين، وأخيراً الحشد الشعبي والحوثي باليمن، ستجد أن العامل المشترك بين كل هذه الفئات الإرهابية هو توظيف الدين في خدمة السياسة، وكل فئة يدّعون أنهم هم (فقط) المسلمون حقاً، والفرق الأخرى، على ضلال مبين؛ ثم اسأل نفسك بموضوعية وحياد: كيف نحل هذا التشابك، ونقضي على التقاتل والفتن؟.. لن تجد إلا مخرجاً واحداً هو (التعايش السلمي رغم الاختلاف الديني أو المذهبي)، ومن لديه حل آخر غير هذا الحل فكلي آذان صاغية لأسمع ما يقول؛ هاتوا ما لديكم، شريطة أن يكون حلاً يرضي كل الفرق والمذاهب الإسلامية، ويجتث في النتيجة الإرهاب اجتثاثاً تاماً.
أعرف جازماً أن لا حل غير هذا الحل؛ فالشعوب الأخرى قد بحثت، وحاولت، ثم وصلت إلى هذه النتيجة، بعد أن سالت دماء وانتهكت أعراض وصودرت حقوق، وهدمت بيوت بل ومدن بأكملها، فلم يجدوا في نهاية المطاف إلا هذا المخرج، فأذعنوا له وتوافقوا عليه، واعتبروه ثابتاً من ثوابتهم.
أعرف أن هناك مستفيدين من هذا التطاحن الإرهابي يُظهرون أنهم ضد الإرهاب، ولكنك عندما تدعو للعمل على اجتثاث مسبباته المُفضية إليه، ينتفضون عليك، وعلى ما تطرح من حلول، ويصفونك بأقذر الصفات، وأبشعها؛ والسبب أنهم يعلمون أن تحييد الدين عن السياسة، والنأي به عن أوحالها، سيكونون هم أول الخاسرين، فحاربوه كما حارب الكهنوتيون في أوروبا المبدأ ذاته في القرون الوسطى المظلمة.
إلى اللقاء