إبراهيم عبدالله العمار
في عام 1984م تعرضت الأمريكية جينفر تومسون لجريمة اغتصاب بتهديد السكين، ونظرت جيدًا لوجه الجاني وحفظت ملامحه، وقبل أن يقتلها استطاعت الهروب إلى الشرطة وأعطتهم ملامحه بالتفصيل، فرسمها رسامهم وأعلنت الشرطة عن المطلوب.
في اليوم التالي انهالت البلاغات وأحدها كان عن رجل اسمه رونالد كوتن. طلبت منها الشرطة أن تنظر إلى 6 صور، فدرستها بضعة دقائق، ومنها صورة كوتن، فاختارته. وبعدها بأيام طلبوا منها النظر لخمسة رجال واقفين في المخفر وأن تعيّن مغتصبها. اختارت أحدهم وكان هو كوتن أيضًا. في المحكمة أشارت إلى كوتن وقالت: «هذا هو.. هذا الذي اغتصبني». وصل المحلفون للحُكم في 40 دقيقة فقط وحكم القاضي على كوتن بالسجن مدى الحياة، لكن الحقيقة أنه بريء! في السجن التقى كوتن برجل أخذ يتكلم عن جرائمه، منها اغتصابه لجينفر تومسون! اتسعت عينا كوتن -المظلوم- مدهوشًا، فهذه مصادفة عجيبة، وألح على محاميه أن ينال له محاكمة أخرى، وفي المحاكمة الثانية أتت جينفر وطُلِب منها أن تشير لمغتصبها، فنظرت إلى كوتن وإلى الجاني الحقيقي ثم أشارت إلى... كوتن!
«صفُّ المشتبهين»، هذا المشهد المعروف في مراكز الشرطة هو عندما يقف عدة مجرمين أو مشتبه بهم بجانب بعضهم ليقوم المجني عليه بالتمعّن ومن ثم يشير إلى الجاني. كل سنة يجري هذا المشهد 75 ألف مرة في مراكز الشرطة الأمريكية، وتخبرنا الإحصائيات أنه في خُمس إلى رُبع الحالات فإن اختيارات المجني عليهم خاطئة تمامًا، مثل أن تقوم الشرطة بوضع أشخاص أبرياء أو حتى رجال شرطة في ملابس مدنية وتطلب من المجني عليه أن ينظر لهم ويخبرهم إذا كان الجاني معهم فيقول: «نعم، ها هو ذا!». في تجارب تعرض فيها أناس لجرائم مصطنعة وهي تمثيليات توهمهم أن شخصًا سرق شيئًا منهم مثلاً، والشخص يظنها حقيقة، وضع الشرطة أناسًا يعرفونهم كأقارب وأصدقاء إلخ، وذلك تحت إشراف الخبراء النفسيين القائمين على التجربة، وفي أكثر من 50 في المائة من الحالات فإن «المجني عليه» يختار أحد المصفوفين هؤلاء الذين لم يرتكبوا أي جريمة. تمامًا كما فعلت جينفر. يختارون أقرب شخص لما في ذاكرتهم. نتيجة لذلك فإن شهادات شهود العيان هي أكثر سبب للإدانات الخاطئة. مشروع «البراءة» في أمريكا وجد أنه من بين مئات المسجونين (والذين لم يُظهر براءتهم إلا أدلة الحمض النووي) فإن ثلاثة أرباعهم سُجنوا بسبب شهادات خاطئة من قبل الشهود. أليس شيئًا مُقلقًا؟
لذلك فإن كلمة «شاهد عيان» التي تصف أناسًا رأوا حدثًا معينًا لا يجب أن تكون هي كلمة الفصل، فالأدلة الحديثة تُظهر أن زعم شخص أنه رأى شيئًا لهو زعمٌ تحيطه التحيزات والأخطاء والشبهات بشكل يجب أن يجعلنا نشكك في تلك الشهادة إلى أن تتواتر أو أن يسندها أنواع أخرى من الدليل.