د. خيرية السقاف
تخيل أن يغيّر الناس أسم «المكتبة», و»المكتب» لآخرين يتسقان مع آلة العصر الإلكترونية, إذ هما يمثّلان موقعي استيعاب الكتب الورقية وعاء الكتابة, وأقنيتها, وأدواتها, ومكان أدائها, بتفاصيل الورق, والأقلام, والأضابير, والأحبار, والحقائب, بما فيها مكان أي عمل ارتبط بالتأليف, والتصنيف, أو بآخر لا يُستغنى فيه عن ورق, وقلم, وحبر..
وتخيل أن تدلف إلى مكتبة ما فتجد الرفوف خالية من الكتب, وإلى أخرى ورقية فلا تقدم لك الأقلام, ولا الملفات, ولا الأحبار, ولا الدفاتر, ولا المفكرات, ولا ما يرتبط بالورقة التي تدون
فيها فكرتك, أو توقّع فيها بصمتك, أو ترسم فيها مخيلتك؟
مع أنك اليوم لا تزال تدخل المكتبات فتجدها عامرة بالكتب الشامخة, ولا يزال الورق على ساقه يشتد قوة, ويشمخ بلا مبالاة, كما لا تزال رفوف المكتبات الورقيات تضج بالأقلام الملونة ذات الأثمان المختلفة, بل لا تزال المتاجر الفخمة تختص بالأقلام الفاخرة المذهبة, والمفضضة, والمرصعة, وتكون هدايا قيّمة في مواقف التبادل, والتعبير, كما هي الكتب الورقية الأصيلة في ملمس اليد هي أحلى ما يُجمِّل الصبحَ, والمساءَ بالنهم الشغوف لزخم الحبر, وعطر الورق,..
ومع هذا, فإن سطوة التغيير التي أصابت البشر بلوثة النَّقض, والهدم, والدفن, والدَّوْس على كل جميل, ذي علاقة بشغف النفوس, ومخزون الذاكرة, ومراتب المخيلة قد تأتي فتغيّر مفردة «المكتبة» بأنواعها, وتجعلها مكاناً ضيقاً, بل ربما نافذة كتلك التي في محطة سفر, تمد يدك لتأخذ منها رقماً في الرحلة!!..
لكن, حتى نافذة المحطة وهي تمد لك برقم مقعدك في المركبة, فإنه مسجل في ورقة!!
والورقة قطعة من كتاب ما!!..
إيه,
ربما وأنت جالس في رحلتك أن تستلهم التفاصيل,
فمكتبة ذاكرتك وحدها التي لن ينالها المعول أبدا!!..