كاتب فهد الشمري
لعل الكتاب والتاريخ لم ينصف هذا الرجل ولم يعطه حقه كما يستحق، فشخصية مثل شخصية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز شخصية متفردة بسلوكها، وقراءتها للواقع واستباقها للأحداث، ومعرفتها ببواطن الأمور تستحق أن يكتب عنها وأن تقرأ كما ينبغي، لأنها شخصية فريدة في الزمان والمكان، ومتميزة في كيفية التعامل مع الإِنسان، كيفما كان توجهه أو انتماؤه أو عقيدته، لأنه يؤمن بمبدأ أن الجميع متشاركون جميعًا في الإنسانية، وإن اختلفت الأفكار والمعتقدات، ولكن بوجود حتمية واحدة هي أن يعيش الجميع في أمن وسلام.
إن الإرهاب هو الداء العضال الذي ظهر في أواخر القرن العشرين وأوائل هذا القرن، بصور شتى وأشكال متعددة، فمنه إرهاب الأفراد، ومنه إرهاب جماعات، ومنه إرهاب دول، وكلها في نهاية المطاف تسعى لهدف واحد، وغاية واحدة، هي تدمير الإنسان والإنسانية والكرة الأرضية، بكل أنواع الدمار الفكري والاقتصادي والاجتماعي، وكل ما هو جميل، انطلاقًا من منطلقات خاطئة، وأفكار هدامة، وبأيديولوجيات خارجة عن كل الشرائع والأعراف السماوية والأرضية، ولقد كان من الصعوبة بمكان أن تحارب كل هذه الجماعات المختلفة والمتعددة في ظل أعداد كثيرة من طرق التواصل بين الناس وتشعبها، خصوصًا فيما بات يعرف بالقرية الصغيرة، وبوجود شبكة الإنترنت التي سهلت التواصل بين الجميع، دون وجود سدود أو حدود.
لقد قام صاحب السمو الملكي الأمير بعمل تجربة أثمرت وأثبتت نجاحها على المدى الطويل من خلال استحداثه لمركز للمناصحة والرعاية حمل اسمه، فأثبت هذا المركز نجاحه في التعامل مع الشباب الذين تم التغرير بهم من قبل تلك الجماعات التي ظللت عقول الشباب، وزينت لهم سوء أعمالهم، التي تبنت سياسة القتل والتدمير، بدلاً من البناء والتنمية والدعوى إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
إن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف قد أدرك سر استقطاب تلك الجماعات لأولئك الشباب فليس بالقوة وليس بالإجبار أو الإكراه، وإنما يتم بالإشباع الفكري الذي يبنى كما يقولون على نار هادئة فيحدث زلزلة في نفوس أولئك الشباب، حتى يصنعهم قساة غلاظًا لا يرون في الحياة سوى اللونين الأبيض والأسود، ولا يدركون أن سعة الإسلام لا يمكن أن تحصرها فتوى أخرق من هنا أو هناك، فتعامل معهم من نفس المنطق وبنفس الأسلوب، فكان لمركز المناصحة والرعاية ثمرة كبيرة اخضرت وأينعت وكشفت عن مخططات تلك الجماعات وأسرارها خلال شهور قليلة، ما لا تستطيع قوى الأرض مجتمعة كشفه في سنوات، وذلك لأن العقل لا يمكن أن يغير إلا من الفعل نفسه، فردة الفعل لا بد أن تكون متوازنة مع الفعل نفسه.
ولم يتوقف صاحب السمو الملكي عند هذه النقطة، فقد بذل الجهد الكبير، وأعاد الكثير من الشباب إلى دائرة المسلمين الملتزمين المعتدلين الذين يرون في الحياة أكثر من طريقة لنشر الإسلام ورفعه، ولكنه في نفس الوقت تعامل مع المارقين الذين عجز السلم عن إحضارهم، ووقفت الكلمة الطيبة في منتصف الطريق ولم تصل إليهم، إما لسبب تعنتهم، أو لسبب وصولهم إلى حد التشبع من تلك الأفكار الضالة، فتعامل معهم بطريقة الشاعر العربي الذي قال:
إذا لم يكن إلا الأسنة مركبًا *** فما حيلة المضطر إلا ركوبها
وسموه كان الدرع الحصين لدحر وقهر الإرهاب حتى إنه كاد يفقد حياته في إحدى العمليات الإرهابية لولا لطف وحماية الله، رغم هذا كله وقف في وجه الإرهاب وقوف الرجل الشجاع الذي لم يتهرب من مسؤوليته، ولم يتوان عن أداء مهامه، في المنشط والمكره، حتى صار مضربًا للمثل في قهر أولئك المارقين الخارجين عن كل قيم الإسلام والإنسانية جمعاء.
إن الطرق التي تعامل بها سموه مع الإرهاب لم تكن تفكر فيها حتى الدوائر الغربية التي أنفقت الملايين والمليارات للحد من الإرهاب والعمليات الإرهابية التي اجتاحت دول العالم بأسرها، بينما أصبحت المملكة من أكثر الدول أمانًا بفعل سياسته الحكيمة والشجاعة التي وقف الجميع لها احترامًا، ورفعت لها القبعات من كل أرجاء الدنيا، لتشهد لسموه أنه كان رجل الساعة في محاربة هذا الوباء الخبيث الذي غزا عقول العالم وخصوصًا الشباب منهم.
إن الإرادة التي تسلح بها سموه في محاربة الإرهاب لم تنكسر أو تنثني، بل كانت تقوى وتزيد إصرارًا، حتى استطاع في غضون سنوات قليلة إخماد نيران الفتنة التي بدأت تلوح بذراعيها في كل مكان من المملكة، حتى صار يمثل للإرهابيين العدو الأول وهو بالنسبة لكل المعتدلين البطل الأول والشجاع الذي ما انحنى إلا لخالقه.
حفظ الله المملكة وحفظ ولاة أمرها خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وولي ولي العهد حفظهم الله.