ناصر الصِرامي
قبل خمسة أيام من «القمة العالمية للحكومات» التي تنظمها دبي سنويًا، لمناقشة أهم القضايا التي تسهم في الارتقاء بالعمل الحكومي بالمنطقة والعالم واستشراف آفاق المستقبل. أحدث الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس مجلس وزرائها وحاكم دبي، حراكًا فكريًا مثيرًا ومهمًا عبر شبكات التواصل الاجتماعي حول الحضارة في العالم العربي، وأعلن قبل جلسته الرئيسة في القمة التي عقدت الأسبوع الماضي، وبتغريدات على حسابه التويتري، عن الموضوع المهم المتعلق بـ»استئناف الحضارة في العالم العربي والعودة لطريق التنمية».
«لبدء حوار عربي حقيقي، تنموي، نتشارك فيه الأفكار والتجارب، هدفنا هو محاولة استئناف الحضارة في منطقة كانت مهدًا لحضارات العالم». كما قال الشيخ محمد بن راشد.
وفي الجلسة الحدث أكَّد أن استئناف الحضارة في العالم العربي يبدأ بفهم المؤشرات التي ترسم ملامح المستقبل.
والحوار المثير الذي أطلقه الشيخ محمد فتح شهية كتاب ومثقفين ومتابعين وإعلاميين ومتفاعلين للتعليق والتأمل والأمل في الوقت نفسه، من المحيط للخليج.
موضوع بهذا العمق والقيمة، لا يمكن أن يمر أو يخلوا من جدل معمق وسلسلة تعليقات وحوارات، ليكون استئناف حوار حول الأمل وإمكاناته في ظل الحالة المتردية بالمجمل عربيًا وإسلاميًا.
ولعلي أضيف استفهامًا مؤلمًا وصريحًا، هل يمكن أن تبدأ فكرة الاستئناف المحتمل من الأصعب..؟!
فالحقيقة الموثقة، إننا لو رجعنا إلى تلك الآراء المدونة بالكتب وعلى محركات البحث اليوم في الألواح الإلكترونية المحفوظة. سنجد - وبكل أسف- اتهامات وعقوقًا ورفضًا وتنكيلاً وتكفيرًا اتجاه الغالبية العظمى ممن نفتخر بهم كعرب ومسلمين اليوم، ونحرك فيهم المشاعر، ونستر عورتنا عند الحديث عن إسهامات أمتنا في الحضارة البشرية، ومن ننسب لهم الفخر بتوهج حضارتنا القديمة كما نحب أن نصورها ونتصورها، مثل: ابن سينا والبيروني والفارابي وابن برد وابن الرومي وابن رشد وبن فرناس وابن الهيثم والخوارزمي.. الخ.، لا أحد من هؤلاء يعتبر مسلمًا خالصًا في نظر بعض رجال الدين من السلف وغالبية الخلف أيضًا!
فقد بقى رجال الدين والمفتين في خانة المعارضة العنيفة والمتشددة لأعمال العقل بداية، وللفلسفة والمنطق، بل إن عديدًا من الإنجازات العلمية الموثقة بأسماء هؤلاء العلماء المسلمين في جامعات ومتاحف الغرب، كانت ولا تزال من عمل الشيطان في الغالب!
المهندس ابن الجزري الذي يعد من أعظم المهندسين والميكانيكيين والمخترعين في التاريخ كانت ساعاته التي سبق بها عصره تحوي مجسمات وتماثيل عدة من الكبائر، والخوارزمي الذي اخترع علم الجبر ليسهل المواريث، واجهها علماء الدين، وكان الرد «إنّ الشريعة شاملة وأحكامها كافية»، حتى ابن فرناس الذي سبق بفكرة خيالية للطيران قام عليه علماء الدين وهجوه بالشعر واتهموه بالإلحاد في الدين. والرازي مفخرة الطب تم تكفيره من طرف علماء الحديث حتى ألفوا كتاب الرد على الملحد الرازي... الخ.، ناهيك عن تحريم دراسات المنطق والفلسفة التي أعدت من أعمال الزندقة حتى تاريخه.
فصول لا تختلف عن مشاهد الكنيسة التي كفّرت علماء ومبدعين كوبرنيك وبرونو وغاليلو، وبولستون ولينوس في القرون المظلمة الأوروبية، وحرّمت قراءة كتبهم، وبالغت في مطاردتهم وتعذيبهم والتنكيل بهم..!
البداية الصحيحة لاستئناف حضارتنا بشموليتها العلمية والأدبية، تتطلب البدء من الأصعب، من رد اعتبار من استحقوا أن يكونوا «علماء» حقيقيين، وتدريس منجزاتهم ونشر إسهاماتهم في منطقتنا أولاً..! والله هو من سيحاسبهم إن كان منهم ملحدًا أو زنديقًا أو كافرًا أو غير ذلك.