د. عبد الله المعيلي
بعد عقود من الاجتهادات الشخصية في كل الأجهزة الحكومية، وبعد أن كان كل مسؤول يدير الجهاز الذي كلف بقيادته ويسيره وفق أجندته الخاصة، ورؤيته المرحلية الآنية، ويطوي صفحات من سبقه، لا يلتفت إلى ما انتهي إليه حتى وإن كان في بعض جوانبه خطوات موفقة، وإجراءات حقه، وفائدة وإيجابية، هذا لا يعنيه، ما يعنيه ويشغل باله وجهده، هو تنفيذ ما يراه هو، فهو يعد هذا من الإنجازات التي سوف تحسب له، أما ما صنعه السلف فيحفظ في أدراج الوزارة باعتباره تاريخًا مضى، وبسبب هذه الرؤية القاصرة، يلحظ أن جل الأجهزة الحكومية ينطبق عليها مقولة: مكانك سر!، وبقيت تراوح مكانها، جهود مهدرة مكررة، وزيارات متتالية للبلدان الخارجية نفسها، الكل يزعم أنه يبحث عن الجديد المفيد، وما علم أن ما يبحث عنه موجود في أدراج مسؤولي الوزارة يعلوه التراب.
أتذكر تلك الوفود الكبيرة من مسؤولي وزارة التعليم التي زارت اليابان وكوريا وماليزيا وبريطانيا وأمريكا وفنلندا، من أجل أن تطلع على تجاربها التربوية والتعليمية، وعلى كل جديد في الميدان التربوي في تلك البلدان، وأعدت التقارير المطولة، وأصدرت كتاباً بهذا ضمن فيه كل مفيد ونافع، ولم ينقصها إلا الإرادة العازمة على البدء في تنفيذ تلك التجارب والأفكار في الميدان التربوي - أعني المدارس - ولكن مرت الأيام تلو الأيام، وبسبب عدم المتابعة والمساءلة والمحاسبة، طويت تلك الصفحات المميزة، ومما زاد الطين بلة أن القائد التالي للوزارة لم يسأل عن ذلك، والأدهى منه وأمر أنه شكل وفوداً جديدة لزيارة البلدان السالف ذكرها مرة أخرى، وكانت الزيارات للغرض نفسه، وهكذا دواليك تسير العجلة التعليمية في دوائر مغلقة جامدة، وظلت المدارس تراوح مكانها لم تستفد من تجارب الأمم الأخرى، التي وجد فيها الكثير مما يمكن أن يستفاد منه.
هذه الحال من الدوران في الدوائر المغلقة ليست مقصورة على وزارة التعليم وحدها - ماضياً وحاضراً -، بل هي حال وللأسف متواترة في جلّ أجهزة الدولة، الجهاز الوحيد الذي يشعر المواطن تجاهه بإيجابية ورضا، هو وزارة الداخلية، سواء من حيث الأمن الداخلي والاجتماعي ومحاربة أوكار الإرهاب والقضاء عليها، أم من حيث الخدمات التي سهلت على المواطنين الكثير من المشقة، واختصرت عليهم تلك الطوابير الطويلة من الانتظار، تمثل هذا في نظام «أبشر» بما يشتمل عليه من خدمات إلكترونية مميزة في شتى اختصاصات وزارة الداخلية، أما الأجهزة الأخرى فحدث ولا حرج من الإحباطات بسبب سوء الخدمات وبطئها ورتابتها وقدمها.
الآن بدت ملامح أمل في طي صفحات الماضي، والبدء بصفحات وخطوات مضيئة في إدارة الأجهزة الحكومية وتسيير أعمالها وفق خطط مبرمجة، ومشروعات محددة كلفةً وزمناً، وتبقى قدرة القائمين على تلك البرامج والمشروعات، لم يعد هناك متسع للمتراخي أو الضعيف، أو المجامل الذي لسان حاله كل شيء «تمام».
الكل يجب أن يعمل بشفافية، وأن يعرف أخطاءه ويعترف بها، وأن يواجهها بكل صراحة وشجاعة، وأن يهيئ نفسه ويستعد للمساءلة حسب النظام، ويتحمل مسؤولية عمله، ويعلم علم اليقين أن أي تقصير يحصل في الجهاز الذي يديره سوف ينال عليه الجزاء المناسب، وأن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب، ويوطن نفسه لمحاسبة عادلة قد تقضي بتنحيته عن منصبه.
بهذا المنهج والرؤية الموفقة الطموحة سوف لن تلين في تطبيق منهجاً ما دامت برعاية الأمير الجليل محمد بن سلمان، فإن الأمور تستقيم، وتتحقق التنمية والتطور المنشود.