«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
كانت الأحساء ومنذ القدم تمتاز بانتشار الحرفيين في مختلف المهن، توارثوها أبًا عن جد والأحساء هذه الأرض الطيبة وبحكم كونها واحة زراعية مترامية الأطراف وبعض المزارع والنخيل تقع بعيدًا عن مدنها فكان أصحاب المزارع والنخيل يستعملون البهائم في الوصول لمزارعهم وتنقلاتهم، خصوصًا الحمير والجمال والبغال، وكان الانتقال من مكان لآخر يعد أمرًا صعبًا خصوصًا لمن لديه حمولة ما أو منتجات زراعية يريد نقلها إلى الأسواق فكانت قوافل الجمال والحمير هي الوسيلة الوحيدة أيامها لنقل ذلك داخل المنطقة وخارجها.
أما عملية نقل البضائع والمنتجات إلى خارج الوطن فتتم عادة عبر السفن فالبضائع والمنتجات الزراعية والتجارية يتم نقلها عبر ميناء العقير ومن خلال الفن المختلفة.. وبعد وصول السيارات إلى المنطقة بدأت فكرة استغلال عجلات هذه السيارات في تصنيع عربات (القواري) التي أبدع فيها النجار الحساوي بصورة بديعة. حتى إن الطلب عليها كان كبيرًا لدرجة أن من يريد الحصول على عربة. فعليه الانتظار لأسابيع فالطلب من داخل المنطقة كبير ومن خارج المنطقة أكبر، أما الطلب من دول الخليج خصوصًا قطر والكويت والإمارات فكان أكثر وأكثر ومع وصول العمالة المهاجرة إلى هذه الدول خصوصًا البحرين قامت تصنع هذه العربات، وتوقف استيرادها من الأحساء.
وعربة (القاري) التي تشاهد في مهرجان الجنادرية والأطفال وحتى الكبار يتراكضون للركوب فيها والاستمتاع بجولة بها في منطقة المهرجان، تعد إلى اليوم الوسيلة المفضلة لدى الفلاح الحساوي بالرغم من وجود سيارات النقل الحديثة فهناك فلاحون ما زالوا يفضلونها على السيارات، والعربة (القاري) لا تحتاج لوقود اللهم الاهتمام برعاية «الحمار» الذي تشد على ظهره العربة، ولقد استخدمت هذه العربة التي خدمت منذ عهود في نقل المياه إلى مناطق العمل، حيث تم ترتيب خزانات على سطحها.. كذلك خزانات خاصة لتوزيع الكيروسين من خلال بيعه على السكان فكان عربات الكيروسين تشاهد في الأزقة والأحياء والسكان يقبلون عليها لتعبئة أوانيهم باحتياجاتهم منه..؟! ومن المهام التي كانت تسهم فيها العربة.
هي نقل مواد البناء، وحتى مخلفات الأحواش داخل البيوت حيث كان في الماضي كل بيت تقريبًا به «حوش» لتربية الأغنام والأبقار والدواجن، وكانت هذه العربات تحمل ترخيصًا يوضع في لوحة تحت العربة في العمود الواصل بين العجلتين..؟! وكان مقر سوق (القواري) في مدينتي الهفوف والمبرز يوجد عادة في أشهر مكان ففي الهفوف يقع بجوار سوق الخميس أما في المبرز فيقع في سوق الأربعاء أو حي القلعة. هذا يعد أصحاب «القواري» في الماضي من الأشخاص المهمين.
فلهم مكانتهم فالطلب عليهم كبير ودخلهم المادي كثير فالجميع يحتاج لخدماتهم، وكان صاحب «القاري» أو «الحمار» السائق يقوم بتوصيل الأسر إلى مزارعهم ونخيلهم أو على عيون المياه الشهيرة كأم سبعة، وعين الحارة.. حيث يجلسون داخل الصندوق المكشوف وشاهدت وأنا صغير عربة كانت تضع مظلة تغطي الصندوق كما في عربات «الكاو بوي» ومن خلال الإقبال الكبير على خدمات هذه العربات كان على من يحتاجها أن يحجزها مبكرًا. ومع انتشار السيارات والتطور الكبير في الحياة وامتلاك الناس للسيارات. تراجعت الحاجة لهذه العربة الحساوية الشهيرة.
لكنها وعلى الرغم من كل شيء ما زالت تشاهد هنا وهناك وخصوصًا في الأسواق الشعبية شبه اليومية في الأحساء لتؤكد أنها موجودة، لتذكر الكبار بأيام مضت والصغار بشيء جميل ومثير.؟!