د. عبدالواحد الحميد
يطفح الواقع الاجتماعي المتخلِّف في بلداننا العربية بالمآسي التي تُغني أيَّ كاتب روائي عن اجتراح قصص وأحداث من نسج الخيال، فما يقع في مجتمعاتنا العربية كل يوم من الحوادث التي تتناقلها وسائل الإعلام يتجاوز في غرابته ومأساويته ما قد نقرأه في القصص والروايات والأفلام الخيالية! ولا أتحدث هنا عن الحروب الأهلية وفشل التنمية الاقتصادية، وإنما عن المآسي الاجتماعية التي تصنعها العادات والتقاليد المتخلّفة.
هل قرأتم مؤخراً في «الجزيرة» قصة المهندس المصري الشاب الذي انتحر بعد أن رفض أهلُه زواجَه من فتاة فقيرة وامتنعوا عن حضور حفل الزواج وظلوا يسخرون كل يوم من الفتاة ومن والدها الذي يعمل سائقاً لحافلة ركاب!
يتصادف نشر هذه الحكاية الحزينة مع ما يُسمى في بعض بلدان العالم بـ»عيد الحب»، وربما أن هذه المصادفة هي التي نبَّهت إلى مأساة الشاب المصري، وإلا فأمثالها من المآسي التي تسببها العادات والتقاليد كثيرة وتقع كل يوم في مجتمعاتنا العربية.
قد يكون الدافع المادي المجرد هو سبب رفض بعض الناس زواج أبنائهم وبناتهم من أسر فقيرة، لكن الجانب الأقوى في الغالب هو نظرة الاستعلاء التي يمارسها الغني ضد الفقير، وهو ما لا نجده في البلدان الغربية التي تقدّس علاقة الحب التي تربط بين إنسانين بصرف النظر عن الفوارق المادية.
أما عندنا هنا في المملكة فالفوارق المادية ليست وحدها هي التي قد تَحُول دون زواج الإنسان مِمَّن يحب وإنما أيضاً الفوارق في النسب وفي القبيلة وفي المذهب وأحياناً في المنطقة التي ينتمي إليها أحد الطرفين.
وحتى يومنا هذا، ما زالت هناك قضايا في المحاكم للتفريق بين الزوجين بحجة عدم تكافؤ النسب! ومن المؤسف أن بعض أهل العلم الشرعي لا يرون بأساً من التفريق بين الزوجين وتشريد أطفالهما لا لسببٍ سوى تفاوت النسب، كما أن سطوة العادات والتقاليد وقوتها تجبر الغالبية العظمى من الناس إلى الامتثال لها حتى لو لم يكونوا مقتنعين بها وبمنطقها الذي يناقض الدين والسلوك المتحضِّر الذي نراه في مجتمعات أخرى.
كثيرٌ من المآسي التي تحدث في مجتمعاتنا العربية هي بسبب العادات والتقاليد البالية، هذه العادات والتقاليد التي جلبت لنا التخلّف وأعاقت تنمية بلداننا وجعلتنا مقيدين بأغلال الماضي بدلاً من التطلع إلى آفاق المستقبل. نعم هي التقاليد البالية، فليست كل التقاليد حميدة.