د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
خفض الإنتاج وفق اتفاق فيينا الذي تشارك فيه 22 دولة منتجة للنفط نصفها أعضاء في منظمة أوبك وتبلغ قيمة الخفض 1.8 مليون برميل يوميا منها 1.2 مليون برميل يومياً حصة دول أوبك مجتمعة، خطوة خفض الإنتاج مهمة وكانت مطلوبة منذ انهيار الأسعار في منتصف 2014، حيث قدر البنك الدولي خسائر الدول النفطية المنتجة في عامين نحو 390 مليار دولار.
الأهم من خفض الإنتاج هو إيجاد حلول عاجلة للتباطؤ الاقتصادي الواسع الذي حدث في الاقتصادات الكبرى خلال عام 2016 وسيستمر في عام 2017 خاصة في الصين التي تمثل العنصر الرئيسي والأبرز في منظومة الطلب العالمي.
لكن كيف تتمكن أوبك من حماية مصالح المنتجين والمستهلكين على السواء والإبقاء على السوق متوازنة بما يمكن من زيادة القدرات التقنية والإنتاجية، ومن هذا المنطلق جاء اتفاق فيينا لإيقاف نزيف الأسعار وخسائر الاستثمارات ويفعل العمل المشترك انطلاقاً من المسؤولية المشتركة للمنتجين.
التوجه الجديد لدى كبار المنتجين تقليص صادرات النفط الخام وزيادة النفط المكرر وإنتاج البتروكيماويات، وهي خطوة للتغلب على انخفاض أسعار النفط، خصوصاً بعد التقارب السعودي الروسي الذي سهل كثيراً من الإسراع في التوافق على خطة خفض الإنتاج حيث ينتج البلدان 21 مليون برميل يومياً من أصل 95 مليون برميل يوميا هو حجم المعروض العالمي بنسبة 23 في المائة، حيث ستتقلص المنافسة بين روسيا والسعودية على التنافس على الحصص خصوصاً في آسيا بعد التفاهمات الجديدة المشتركة، حيث بدأت السعودية تتخطى روسيا وتصبح أكبر مورد للنفط إلى الصين.
كما لا يمكن التعويل كثيراً على انتعاش النفط الصخري بعد انتعاش الأسعار وعلى الرغم من تزايد الحفارات بشكل سريع لكن ما زال عالي التكلفة، ويحتاج إلى مستويات سعرية أعلى علاوة على أن معدل نضوب الحقول يصل إلى 70 في المائة سنويا مقارنة بـ9 في المائة سنويا في الحقول التقليدية، رغم ذلك نتيجة التطورات التكنولوجية الهائلة التي جعلت من الممكن استخراج النفط من الصخور الزيتية الرسوبية (الشيست) كانت بتكلفة 44- 66 عام 2012 لكنها انخفضت في الوقت الحاضر إلى أقل من ذلك قد تقترب من 40 دولار للبرميل حتى انخفض سعر الغاز الصخري من 13 دولار لكل مليون وحدة حرارية إلى 3.5 دولارات عام 2012 ثم إلى 2.5 دولار عام 2015 حفزت النشاط الاقتصادي وانخفضت أسعار الكهرباء ومنحت الصناعة ميزة تنافسية، بل تلك التطورات التطورات التكنولوجية الهائلة قضت ولو مؤقتا على نظرية وصول إنتاج النفط إلى مرحلة الذروة.
وستظل الولايات المتحدة مستوردة للنفط نحو 7 ملايين برميل من النفط الخام ونحو 2 مليون برميل من المكرر رغم أنها تنتج أكثر من 9 ملايين برميل، خصوصاً وأنها ضمن 10 دول سينتهي نفطها في غضون عقد من الزمن وهي البرازيل والصين وماليزيا وأنغولا وإندونيسيا والمكسيك والولايات المتحدة التي تمتلك من احتياطيات النفط نحو 36 مليار برميل ثم النرويج وبريطانيا وأخيراً كولومبيا.
لذلك تركز الولايات المتحدة على إنتاج النفط بتقنية التصديع وسيصل إنتاجها بنهاية هذا العقد نحو خمسة ملايين برميل يومياً مرتفعاً من أربعة ملايين في الوقت الحاضر و40 في المائة من حاجتها من الغاز الصخري، في المقابل من المتوقع زيادة الإنتاج خارج الولايات المتحدة عبر هذه التقنية بحلول 2019 بمعدل 650 ألف برميل يومياً وفقاً لتقديرات وكالة الطاقة الدولية، رغم ذلك أكدت تقارير لجيولوجيين غربيين أجروا دراسة على آلاف حقول النفط الصخري أن معدل إنتاجها سوف ينخفض بعد عقود قليلة بنسبة تصل إلى 80 في المائة بعد البدء في استخراج النفط منها، وهنا تقع المشكلة الكبيرة، إذ يتعين على شركات الحفر في أعماق أكبر من أجل الوصول إلى الكميات التي يمكنها أن تغطي التكاليف وتعود بالربح عليها في الوقت نفسه، وهذا ما حصل لشركات اضطرت للتوقف عن العمل، أي أن النفط الصخري لا يمكن أن يلعب دور المنتج المتأرجح.
وهو ما يجعل ترامب الذي يمثل الجمهوريين القلقين والباحثين عن استقلال النفط بأن مستقبل أمريكا لا يزال رهينة للشرق الأوسط الذي يتواجد فيه نصف احتياطيات النفط البالغة 226 مليار طن وتمتلك أوبك 73 في المائة من احتياطيات النفط المؤكدة، ما يعني أن ترامب يدرك أن نهاية العصر النفطي بعيدة المنال، وكما أدركت موسكو ضرورة التنسيق مع السعودية، ترى أمريكا ضرورة تقوية العلاقة مع السعودية باعتبارها قائداً محنكاً لقيادة أوبك، القيادة السعودية المحنكة جعلت إيران تخسر جيوسياسياً رغم أنها قوة جيوستراتيجية وتمتلك موارد خام حاول أوباما استثمار تلك المقومات لكنه خسر في النهاية بسبب أن المقومات الجيوسياسية للمملكة العربية السعودية تتفوق على إيران.
تحكمت في ارتفاع أسعار النفط في الفترة الماضية عدة عوامل منها المضاربة والعوامل الجيوسياسية التي مرت بها المنطقة إلى جانب المخزونات الكبيرة التي تحتفظ بها الدول وخصوصاً في الولايات المتحدة نتيجة وفرة المعروض في الأسواق الذي يفوق الطلب نتيجة مرور العالم بمرحلة تباطؤ اقتصادي ونتيجة مروره في نفس الوقت بتحولات اقتصادية في العديد من الدول خصوصاً في أكبر اقتصاد عالمي في الصين.
يبدو أن دول الخليج وعلى رأسها السعودية هي كذلك تمر بمرحلة تحول اقتصادي للخروج من فخ النفط بعد تذبذبه وانخفاضه بشكل دراماتيكي في الفترة الأخيرة، بعدما كانت السعودية تضع نقطة تعادل 95 دولاراً للبرميل في ميزانيتها عام 2012، هي تضع نقطة تعادل أقل من ذلك بكثير تقل عن 55 دولاراً للبرميل استعداداً لمرحلة مستقبلية لما بعد عصر النفط تخفض فيها نقطة تعادل نفط منخفضة بعدما تتمكن من تأمين إيرادات أخرى تساهم إلى جانب إيرادات النفط بعدما كانت الإيرادات الوحيدة.
السعودية ترسل تطمينات جيدة للسوق بأن التوازن لا يتحقق فقط بخفض الإنتاج، وفاجأت وكالة الطاقة الدولية الأسواق في تقريرها في سبتمبر 2016 بالحديث عن تفوق السعودية على الولايات المتحدة في سوق النفط الخام، حيث أكدت أن ثورة النفط الصخري الزيتي التي قادتها الولايات المتحدة تراجعت كثيراً في مقابل عودة تفوق النفط التقليدي وزيادة إنتاجه بقيادة السعودية، وأن الولايات المتحدة تخسر مكانتها في سوق النفط، وأكدت الوكالة أن الولايات المتحدة التي كانت قد أحدثت سابقا ثورة في أسواق النفط من خلال إنتاجها النفط الصخري قد خسرت مكانتها أمام السعودية، بعد أن كان من الممكن أن تصبح رائدة إنتاج النفط الخام في العالم، وتخطط أوروبا لتقليص استهلاك الطاقة 30 في المائة بحلول 2030 ومنافسة دولية على كفاءة الطاقة.