جاسر عبدالعزيز الجاسر
لا شك بأن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للعرب جميعاً، إلا أنه إضافة إلى هذه القضية التي تعيش في ضمير الإنسان العربي لما تمثله من أبعاد وتختزنه من مآسٍ عديدة بسبب الاحتلال الإسرائيلي الذي لم يكتف بمصادرة أراض ووطن، بل أنهى بالكلية هوية شعب مما دفع ملايين البشر من الفلسطينيين إلى التشرد في أصقاع المعمورة.
مأساة استلاب فلسطين وتشريد أهله وتكالب القوى الدولية على ضياع وطن وتشريد شعب حجبت الاهتمام بقضايا عربية أخرى لا تقل أهمية عن القضية الفلسطينية وتضاهيها في الإفرازات المأساوية. ومن أكثر هذه القضايا التي لم تحظ بالاهتمام وقد حُجبتْ طويلاً عن اهتمام العرب القضية الأحوازية، والتي يتجاهله التياران القومي والإسلامي في المجتمعات العربية، فالقوميون العرب لم يعيروا هذه القضية أي اهتمام، وإن حاول حزب البعث العربي فرع العراق استغلال هذه القضية وتوظيفها لدعم العراق في الحرب العراقية الإيرانية، ما عدا ذلك لم يلتفت العرب إلى قضية سلب قطر عربي من قبل إيران عام 1925، بل إن بعض القوميين من عرب اليسار اعتبر سيطرة إيران على عرب الأحواز أفضل وأكثر دعماً للمسار الثوري خاصة بعد وصول خميني وملاليه للحكم في إيران، وأنه أفضل للخليج من حكم الرجعية العربية. ومع أن الرجعية العربية حوَّلت دول الخليج إلى «واحات تنمية» متقدمة، فيما حوَّل الثوريون من ملالي إيران مثل غيرهم من ثوريي اليسار العربي دولاً كانت مزدهرة إلى دول فاشلة ومعسكرات لقمع واضطهاد الشعوب.
إمارة الأحواز العربية التي كان يحكمها الشيخ خزعل الكعبي كانت مزدهرة في بداية القرن العشرين، مثلها مثل إمارات الخليج العربية آنذاك الكويت والبحرين وقطر، وكانت تحمل بشائر وآمالاً كبيرة لأهلها وللعرب جميعاً، حيث أظهرت الدراسات الأولية أن الأحواز مثل غيرها من إمارات الخليج العربية تطوف على خزان كبير من النفط والغاز. ولهذا، ومن أجل منح «الفرس» حصة في ثروات العرب، مثلما مُنح الإسرائيليون حصة في أرض العرب، تآمر المستعمر البريطاني آنذاك مع إمبراطور إيران على منح إمارة الأحواز (شرق الخليج العربي من قمة الخليج في نقطة عبادان، البصرة، الكويت إلى مضيق هرمز، والذي يشكِّل الساحل الشرقي العربي على الخليج العربي) إلى إيران. وتم الإيقاع بأمير الأحواز الشيخ خزعل الكعبي بعد حفل تواطأ بإقامته الحاكم البريطاني للشيخ العربي وإمبراطور إيران، تم بعده القبض على الشيخ خزعل وتسليمه إلى الإمبراطور الإيراني الذي زجهَّ في سجن بطهران ليتم القضاء على الإمارة العربية شرق الخليج العربي وتحتل إيران كامل الشريط العربي ثم تفرض قرصنتها وسطوتها على مياه الخليج العربي مهددة الملاحة وأمن الدول المقابلة بالتدخل وحتى الاحتلال، إذ اتبعت إيران احتلال الأحواز باحتلال الجزر العربية في الخليج التابعة لدولة الإمارات العربية.
المحتلون الإيرانيون تجاوزوا الإسرائيليين في إلغاء هوية وطمس الانتماء العربي وسرقة ثروات الإمارة العربية من خلال سلسلة من الإجراءات التي تهدف إحداث تغييرات ديموغرافية وسرقة الثروات المعدنية والمياه، وإحداث تغييرات في مسارات الأنهار وتدمير البيئة، فإضافة إلى عدم استفادة إقليم الأحواز من إيرادات البترول التي تُنتج من أراضي ومياه الأقليم الذي ألغت إيران اسمه العربي وحولته إلى اسم «خوزستان»، ومع أن جميع كميات البترول والغاز المصدر من إيران تُنتج من أراضي الأحواز العربية، إلا أن الأراضي العربية وأهلها العرب أقل الإيرانيين استفادة بل يعانون من إهمال وأمراض بيئية نتيجة تدخل السلطات الإيرانية في تغيير مسارات الأنهار واستحداث مشاريع تضر بالمنطقة كمشروع نقل مياه نهري كارون وكرخة، وإنشاء سدود عشوائية ومشاريع لنهب مصادر النفط واللجوء إلى أساليب الاستثمار السريع وقليل الكلفة من آبار النفط والتي أدت إلى تدمير الأهوار المهمة في الأقليم ومنها هور العظيم وشادكان، وخلقت كارثة بيئية مما جعل صحة ومعيشة أهالي المنطقة عرضة للخطر، وهو ما دفع الأهالي إلى تنظيم مظاهرات احتجاجية استمرت أياماً عدة للاحتجاج على الوضع الكارثي لتلوث الهواء وانعدام المياه الصالحة للشرب وانقطاع الكهرباء بسبب الإهمال وعدم الاهتمام بالمنطقة.
الأحواز ليست محتلة فقط بل يتعرض أهلها للسلب والإذلال والإلغاء، ومع هذا يُتجنب الحديث عن الاحتلال الإيراني.