سعيد الدحية الزهراني
الأزمة الاقتصادية التي باتت تعانيها المؤسسات الصحافية المحلية اليوم ألقت بظلالها السوداء على بُعدَيْ العملية الصحافية صناعة ورسالة.. مع كل ما ينضوي داخل هذه الأطر من خسارات، تطول الكيان والحقول والعقول.. إحدى الخسائر المرتقبة حتميًّا تدور رحاها اليوم في باحات الصحافة الثقافية التي كانت أضعف الحلقات في سلسلة العملية الصحافية إبان الازدهار، فكيف والحال اليوم تتهاوى مؤشراته..
كتبت سابقًا بحثيًّا مقاليًّا عن فكرة إطلاق صحيفة إلكترونية ثقافية متخصصة.. وأجزم بأن هذه الفكرة قد راودت الكثير من المهتمين بالمجال الصحفي والثقافي، لكن تكاليف إطلاق الصحيفة وضمان استمراريتها كانت عائقًا كبيرًا وجوهريًّا.. وهو سبب حقيقي ووجيه.. فمن سيضمن استمرارية ظهور صحيفة ليست متخصصة فقط بل نخبوية أيضًا في ظل انصراف القارئ؛ وبالتالي المعلن؟!
هذه الرؤية في تقديري ليست دقيقة تمامًا؛ لأنها تحمل بين طياتها صورة نمطية موغلة في التشاؤم تجاه المشهد الثقافي إلكترونيًّا.. أقول المشهد الثقافي إلكترونيًّا لأن بيئة الاتصال والإعلام الإلكتروني، مثل المواقع والمنتديات الثقافية سابقًا ومواقع التواصل الاجتماعي حاليًا، كشفت عن وجود طيف ثقافي خفي هائل، بل إن حدود النشر التقليدي لا تملك الاستجابة له كاملاً.. بل أيضًا إن بعض المؤشرات تفيد باستحواذ النشر الشخصي الوجداني من خواطر وأدبيات على نسبة عالية في برنامج «فيس بوك» تحديدًا.. وقبل أن أتجاوز هذه الجزئية أقول ربما تصدق رؤية التشاؤم حيال نجاح فكرة الصحيفة الثقافية المتخصصة إن تم تخصيصها حرفيًّا لجانب الأدب بعيدًا عن السياق الثقافي العام.. أما إن انطلقت من رؤية ثقافية معرفية عامة فإن فرص النجاح سترتفع بدرجة عالية، ويبقى حينها عامل الحسم في يد هيئة التحرير عبر ما يبث من مضامين تعتمد الحرفية والمهنية الصحافية والإعلامية في إطار إفادة كاملة من معطيات وتطبيقات الإنترنت..
من الممكن أن تظهر الصحيفة الإلكترونية الثقافية المتخصصة عبر أكثر من مرجعية.. فمن الممكن أن يتبناها القطاع الخاص كجزء من برامج المسؤولية الاجتماعية، ومن الممكن أن تتبناها مؤسسة صحفية مهتمة بالجوانب الثقافية، وفي هذه الحالة سيكون متاحًا جدًّا جانب السعي لتحقيق مداخيل إعلانية واقتصادية، والسعي نحو تحقيق أرباح مادية، وخصوصًا في السنوات التي تلي مرحلة التأسيس؛ لأن المصروفات في الغالب تكون منحصرة في جزئيات محددة، ويأتي هذا عبر تقديم مضامين جماهيرية جاذبة، وخصوصًا إذا ما علمنا أن أكثر القضايا التي تثير الرأي العام هي القضايا ذات العلاقة بالاتجاهات الفكرية والثقافية.
أما مسؤولية إصداره صحيفة إلكترونية ثقافية أدبية متخصصة فتقع بالدرجة الأولى على عاتق وزارة الثقافة والإعلام؛ فجزءٌ من مراحل خدمة الحركة الثقافية الوطنية يتمثل في نشر المنجز الثقافي لأبناء الوطن، وتقديمه للآخر، والتعريف به، وإبرازه داخليًّا وخارجيًّا.. بل إن غياب مثل هذه الفقرة المهمة من منظومة الدعم الثقافي للثقافة والمثقفين أمر مستغرب..
نراقب ونرتقب ونأمل ونتأمل.. وإن مطلع 2018م لقريب..