تنتشر دعاوى أن هناك حقائق مطلقة فيما يسمونه بدول العالم الثالث، فتفقد الأبحاث قيمتها لوجود خلفية مسبقة قبل الوصول إلى النتيجة الصحيحة، ثم يصبح التعليم مجرد تكرار وترداد لحقائق مزعومة.
كيف يمكن أن نطلق على مقدمات أو مقولات أو نتائج مغلوطة بأنها حقيقة مطلقة، وما الفائدة بأن نطلق على نتيجة ما أنها حقيقة مطلقة، في زمن يتبدل و يتطور، وإذا أردنا إثبات حقيقة مطلقة فيلزمنا دليل علمي صحيح،وثابت، وغير نسباني، ولا متغير، أو قد يتأثر بالزمان، أو تغير الحال، أو بعض معطياته مجهولة، وهذا مستحيل، وإن وجد دليل بنفس هذه الشروط، ظهر لنا سؤال آخر وهو هل هذه المعايير والشروط صحيحة.!؟
ثم تنهال علينا أسئلة بعضها وراء بعض، وبعضها يفكك بعضاً، ثم تتفكك، ولا يصبح هناك كل وفيه جزء، ولا أصل وله فرع ، ثم تتغالط مقولات المقدمات المنطقية، ثم لا تظهر لنا نتيجة سوى خرافة الحقيقة المطلقة ونسبانيتها، ثم نغرق في وحل التيه، وتتعاظم أمامنا الحقيقة وتتلاشى عنا الخرافة.
والجزم بأن هناك حقيقة مطلقة يتطلب منا تعطيل جزء من عقولنا يتناسب مع قبول نتائج بلا مقدمات منطقية صحيحة، أو حكم بدليل واهن، ثم نعطل العقل شيئاً فشيئا، حتى يمرض العقل بالخرافة، أو يموت.
وإن ظن ظان بحقيقة مطلقة، فالتخلف عاقبته، والجمود حاله، وإن شك العقل تحفز، وسعى ليبحث عن الحقيقة، وأعقب هذا السعي عمارة الأرض، ونهوض الحضارة، وتلاشت عنه الخرافة.
في الشك نعيش عالماً لا متناهٍ، ومتفكك، وفي الخرافة نعيش وعقولنا ميتة، وفي أحسن أحوالها مريضة..!!
- عبدالله النغيثر