الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
الوقف في الإسلام يشمل جميع مجالات الحياة، وهو من أهم موارد نظام التكافل الاجتماعي في الإسلام، حيث غطّى الوقف عبر تاريخه الطويل آفاقاً واسعة من أعمال الخير وجهات النفع العام وجهات البر المتعددة شملت المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتعليمية والصحية والزراعية وغيرها، مما يؤكّد الدور الكبير للمؤسسة الوقفية الإسلامية الكبرى.
والمجتمعات الإسلامية في الوقت الحاضر بحاجة إلى إحياء دور الوقف الذي كانت له إسهامات عظيمة وآثار كبيرة باعتباره مورداً اقتصادياً مهماً، يهدف إلى توليد دخل مستمر، ويوفّر حاجات المستهدفين في الحاضر والمستقبل.
«الجزيرة» ناقشت مع عدد من الخبراء المعنيين كيفية إسهام الوقف في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المجتمعات الإسلامية. وكانت الحصيلة التالية:
كيانات وقفية
بدايةً يؤكّد د. سليمان بن صالح الطفيل كبير اقتصاديين بوزارة المالية سابقاً، عضو ومستشار في مركز (واقف) أنّ الوقف لم يعرف حدوداً جغرافية ولا تقاليد وعادات عنصرية؛ بل جاء منطلقا في جميع نواحي الحياة مستمدا قوته ومبادئه من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف الذي بعث به نبينا محمد - صلى الله عليه وسلَّم - للعالمين جميعاً. فكان للوقف من هذا الدين العظيم حظا كبيراً، حيث تعددت تطبيقاته وذاع صيته بين المجتمعات الإسلامية أينما وجدت.. وإن الجزء المهم في ملامح وتطبيقات الوقف داخل المجتمعات الإسلامية أنه يمثل مصدراً مالياً واقتصادياً تشيع به روح التعاون والتكاتف بين المسلمين مع بعضهم البعض أينما وجدوا، وأنه إلى جانب اكتسابه صفة الشمولية والمرونة في العمل والممارسة؛ إلا أنه يتميز بالقدرة على النماء والاستدامة إذا ما تم تطبيقه بشكل يَضمن له ذلك.
وأهم وظيفة للوقف الإسلامي منذ أن بزغ ظهوره والعمل به، دوره في تعزيز المسؤولية الاجتماعية بين أفراد المجتمعات الإسلامية.. وأكثر الأعمال الجليلة التي يقوم بها الوقف تقديم كافة أشكال المساعدة وبخاصة السكن والعلاج والأكل والشرب واللباس، ومساعدة الفقراء وكبار السن والعجزة والأطفال، والصرف على العلماء والمعلمين وأولاد الفقراء وتعليمهم وتدريبهم، والتكفل بمصاريف النساء الأرامل والمطلقات وأولادهم ومساعدة المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة.
كما مارس الوقف وظائف عن الحكومات داخل المجتمعات الإسلامية مثل المساهمة في تأسيس البنية التحتية كالمياه والكهرباء والطرق والإنفاق والجسور والسدود وتقديم الخدمات الأساسية مثل: التعليم، والصحة، والتدريب.. إلخ.
والمقام لا يتسع لسرد تفاصيل وأحداث وقصص الأوقاف الإسلامية في تنمية المجتمعات الإسلامية؛ لكن لعلنا نختم بمسألة مهمة وهي أن الوقف في الوقت الراهن أخذ يتشكل داخل المجتمعات الإسلامية من خلال مساهماته العديدة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبدأت تتضح معالم دوره في الاقتصاد والمجتمع من خلال قدرته على تأسيس كيانات وقفية كالمؤسسات والشركات الوقفية وكذلك تأسيس الصناديق والمحافظ الوقفية والعمل لبلورة فكرة لتأسيس بنوك وقفية داخل المجتمعات الإسلامية والتي بدورها ستسهم في تمويل المشروعات الوقفية وتسهيل تنقل الأموال الوقفية في دول العالم أجمع.
الرقي بالمجتمع
ويشير الاستاذ خالد بن عبد الله العبد اللطيف عضو مجلس الشورى، ووكيل وزارة الأوقاف سابقاً إلى أنّ الوقف كان ولا يزال له دور فاعل في الحضارة الإسلامية بما يوفره من إسهامات في تمويل روافد تلك الحضارة، وظل الوقف يؤدي هذا الدور في جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية وأيضاً الثقافية والتربوية إلى يومنا الحاضر.
فالهدف الأساس للتنمية هو الرقي بالمجتمعات والأفراد، وإزالة العقبات التي تحول دون تحقيقه، والتأكد من الاستفادة المثلى من جميع الإمكانات، والطاقات، والموارد البشرية والمادية بما يحقق التقدم، والنمو، والرفاه والسعادة لكافة أفراد المجتمع، وهي شاملة لجميع جوانب الحياة، الاقتصادية منها والاجتماعية، وغيرها من الجوانب، وهي في العموم محصلة لتفاعل الإِنسان مع الموارد والثروات الطبيعية المتاحة له من خلال ثقافته وتعليمه وخبراته.
ويبرز دور الوقف في التنمية الاجتماعية من خلال محاولة تحقيق المواساة، والعدالة الاجتماعية؛ عبر التكافل الاجتماعي ومعالجة حاجات المجتمع، ومكافحة البطالة، والأمية، والفقر.
ومما لا شك فيه أن ذلك يسهم في توفير الأمن الاجتماعي والاستقرار، وتحمّل جزء من الأعباء الاجتماعية التي تثقل كاهل الدولة، والتخفيف من العجز في موازناتها.
ويسهم الوقف في هذا المجال (على سبيل المثال لا الحصر) على النحو الآتي:
1 - المجال الاجتماعي؛ من إحسان للفقراء، والأرامل والأيتام، والغرباء، وعابري السبيل، وإنشاء الأربطة، وسبل الماء.
2 - في المجال الديني؛ ومن ذلك نشر الدعوة للإسلام، وعمارة المساجد وصيانتها، وغيرها من الأمور الدينية التي حث عليها الشرع.
3 - مشروعات البنية الأساسية؛ ومن صور تلك الأوقاف بناء المستشفيات، والمدارس، والمكتبات، ورصف الطرق.
أما في مجال التنمية الاقتصادية؛ فإنَّ للوقف دورا مهما من خلال إسهاماته فيما يأتي:
أ - تنمية الموارد البشرية؛ من خلال التعليم والتدريب، وتوفير الرعاية الصحية، وتشغيل أفراد المجتمع، وتوفير فرص العمل الشريفة لهم.
ب - الدور البارز والمؤثر في جميع الأنشطة الاقتصادية، وبصفة خاصة في القطاعات التجارية، والصناعية، والزراعية؛ بما يؤدي إلى زيادة الموارد ورفع الطاقة الإنتاجية، وتحقيق أعلى عوائد ممكنة في عمليات متوافقة مع الشريعة الإسلامية ووفقاً لاستراتيجيات تأخذ في الاعتبار حركة السوق والمنافسين، وتوفر كافة الأدوات وصولاً إلى العائد المالي المطلوب تحقيقه من الاستثمار.
ج - يحرص القائمون على الأوقاف على إيجاد علاقة متوازنة بين التنمية بجميع مجالاتها، وإسهامات الأوقاف فيها؛ لما في ذلك من أهمية كبرى في تطور المجتمع واستقراره وتحقيق مناخات معيشية ملائمة، من خلال الخطط المناسبة وتوظيفها لخير الإِنسان ومصالحه.
نظام اقتصادي
ويبيّن الاستاذ محمد بن عبد الله الجلاهمة الأمين العام للأمانة العامة للأوقاف بالكويت أنّ الوقف يُعدُّ نظاما اقتصاديا إسلاميا، يقوم على تنمية الأصول والأموال الوقفية بغرض إيجاد موارد ثابتة ودائمة لتلبية احتياجات المجتمع ودعم الجهود التي تساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وقد مارس الوقف على مر العصور دوراً بالغ الأهمية في تدعيم مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والصحية في دول العالم الإسلامي ومناطق الأقليات المسلمة، وعمل على سد حاجات المجتمع الإسلامي ومتطلباته الملحة، بل وساهم في تكوين البنية الأساسية للدول الإسلامية وتنميتها من خلال الوقف على الطرق والآبار والجسور ومحطات المياه وغيرها، ولقد كان للإنفاق على هذه الخدمات المتعددة أثر بارز على الإنفاق العام من خلال تخفيف العبء عن كاهل ميزانية الدولة في تمويل هذه الخدمات المتعددة.
وفي وقتنا الحاضر يساهم الوقف بدور فاعل في دعم ومساندة كافة الجهود التنموية التي تبذلها مختلف المؤسسات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني العاملة في مختلف المجالات والميادين.