خالد بن حمد المالك
تمرُّ بنا الحياة، بعواصفها وهدوئها، بما يُبهج الخاطر، أو يكدِّره، فلسنا نعيش في عالم دون قلق، ولا نمضي فيه أعمارنا دون سعادة، فالحياة مزيج من هذا وذاك، خليط من التطورات المتضادة، يتنوَّع فيها كل ما نريده ونتمناه، وذلك الذي نتمنى أن يمرَّ دون أن يترك فينا مسحة من حزن، أو حالة من تأثر.
* *
لا شيء في حياة كل منَّا دون تطورات لا نتمناها ولا نحبذها، أو دون أحداث تسعدنا حين تحل بنا، فقَدَرُ الإنسان أن يواجه هذا وذاك، وعليه أن يتوقَّعَهما، وإن أغضبه هذا، وأسعده ذاك، فكل شيء مُقَدَّرٌ، وكل شيء آتٍ ولو تأخر، فالحياة جمالها ومتعتها في وجود ما يسعدنا بها، وإن جاء قلقنا وحزننا فيها كلما حلَّ الموت بأحبابنا، أو حين يزورنا ما يكون صادماً ومعكراً لأفراحنا.
* *
الموت هو أكثر ما يكدِّر الخواطر، ويبعث على الحزن، وتستجيب له الدموع، ويستدر بسببه فينا البكاء، ويخلق لدى كل منا أجواء من الشعور بالضعف والانكسار، مع أن الموت حقٌ، وجميعنا إلى الله راجعون، ما يعني أن علينا أن نتقبَّله على ما فيه من مرارة، وأن نؤمن بأن هذه إرادة الله، وأن ما شاء فعل، وأنه ليس أمامنا إلا الدعاء للميت، وتحمّل المصيبة، والصبر عليها.
* *
أقول هذا، وقد فاجأني أخي محمد بن حمد المالك وأنا خارج الرياض يتصل بي وبصوت مفجوع، ولحظة حزن مؤثِّرة، بإبلاغه لي لحظة وفاة زوجته (أم منصور)، رحمها الله وأسكنها فسيح جناته، فلم أتمالك إلا أن أشاركه حزنه وبكاءه في وفاة زوجته منيرة بنت عبدالعزيز الطاسان، فأنا كما هو، مصدوم بالوفاة التي جاءت مفاجئة، وبالموت الذي غيَّبَ رفيقة عمره، وأنهى رحلة طويلة تميزت وانتهت بالحب والود والعشرة الجميلة.
* *
ماتت أم منصور، المرأة الصالحة، التي لا تسمع منها إلا عذب الكلمات، والدعاء الخالص للناس أجمعين، ومساعدة المحتاج منهم، وهي من كانت تقضي كثيراً من أيامها في الصلاة والعبادة في الحرم المكي ومعتمرة أو حاجة، ممن أحسبها كإحدى النساء اللاتي لا نجد ما نقوله عنها أكثر من أنها امرأة تقية وصالحة، جمعت بين الحسنيين في إرضاء الله أولاً، ومن ثم إرضاء خَلق الله بالخُلُق الحسن، والكلمة الطيبة، والمعاملة الكريمة، فقد كانت متعتها في طاعة الله، والإكثار من العبادات، كما كانت متعتها في إرضاء الناس بحسن المعاملة، وتقديرها ومحبتها لهم.
* *
لا ألوم أخي محمد على تأثره وحزنه، وبكائه، وعلى ضعفه أمام الصدمة المفاجئة التي تلقاها بوفاة رفيقة عمره، فقد ارتبطا في علاقة زوجية ناجحة، وذكريات جميلة، على مدى أكثر من ستين عاماً في أجواء عاطفية وذكريات جميلة، ما يجعل من غياب هذه الزوجة التقية مؤثراً على مستوى الزوج والأبناء والبنات والأسرة بكاملها، ما ضاعف من الحزن وزاد في الأسى، لكن كلما تذكَّر الجميع حجم الخسارة، واستحالة التعويض، تذكَّروا الإيمان بالله، وبأن الموت حقٌ ونهاية لكل إنسان.
* *
رحم الله منيرة بنت عبد العزيز الطاسان رحمة واسعة، وجعل مسكنها في جنات النعيم، وعظَّم أجر زوجها المكلوم أخي محمد وأبنائه وبناته والأسرة كلها، فالخسارة كبيرة، والغياب مؤثِّر، فأحسن الله عزاء الجميع، {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.