د. خيرية السقاف
المطر
الرسول للرّواء, والحياة, للسقيا والانتعاش, للتأمُّل والتطهُّر,
لترتيب الأنفاس, وتسريح الآهات, لعتق الهموم, والتماس الحنين, وتصفية الأكدار,
المطر المجدد للحيوية, والإحساس, ونبض البقاء..
المطر الذي استقبله المنتشون فرصدوا موكبه الحافل في الأودية, والشعاب, والروضات, والمدن, والقرى, والبيوت, والبراري, والجبال, والأودية,
ورعْده, وبرقه, زخّاته, وقطراته, دِيَمه, وغيماته, هطوله, وسيوله, برَده , وفتونه,
لمعة الحصى, وندى الشجر, وبلل الوجوه, والحجر , وضباب السماء, واسمرار المدى,
الريح التي معه, والتراب الذي يمنحه, والبحر الذي يمده, والنهر الذي يرفده,
فنار الجمال, مآل الفتنة, استحواذ اللب, لوحةُ الترحيب, نشوة التطريب ..
لا يزال حين يأتي يجدد الخوف, يبدد الفرح,
يحضر معه الموت, والأسى, والخراب, والدمار
الغرق, والفقد, والفجيعة, والتردي!!..
والحديث كثيره قد أُهْدر عن فساد تمادى ..
فالشوارع لمّا تزل لا متنفس فيها لمائه,
والأرض لا تزال تعج بمنشآت هشة, وسطوح على غير إتقان,
وطرقات كالحوت تفغر في حضرة مائه فاها لتبتلع !!..
في المدن كما في الهجر, في الطرقات, في الخلاء
يغرق من يغرق, ويطمر ما يُطمر, وينقذ من ينقذ,
ويتعسّر به من يتعسّر عن سبل النجاة..
حتى ضجّ المطر من سيله,
وخابت بهجته بنشوة الأرض به, وبهجة كل الحيوات فوقها,
وأولئك المنتشين من البشر!
يحدث هذا في حضرة المطر!
ويحدث ذلك في غيبة المطر!
فإهمال المسرفين, الموغلين في غفلتهم مسّه بكدر !!...
هؤلاء المفرطون في أماناتهم كيف يفهمون المطر؟!..
إنّ له غضبة هذا المطر!! ..