اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
انطلاقاً من المعتقدات الباطلة والمفاهيم المغلوطة، استغل النظام الصفوي في إيران موضوع مكافحة الإرهاب واتفاقه مع القوى الكبرى حول ملفه النووي للوصول إلى أهداف سياسية والحصول على مكاسب إستراتيجية عن طريق السعي لتقاسم النفوذ الإقليمي مع قوى الاستعمار على حساب المنطقة العربية والمساومة على مستقبل دولها، حيث وجد ضالته في الأحداث الجارية والتدخلات الأجنبية لمكفاحة الإرهاب بصورة تمكَّن معها من تنفيذ مشروعه الطائفي وتصدير ثورته، مستخدماً أذرعته ووكلائه والنظم الموالية له لتوسيع نفوذه وإحداث تغييرات مذهبية وديموغرافية تصب لمصلحته وتُدخل المنطقة في نفق يصعب إخراجها منه.
ومخطئ مَنْ يظن أن النظام الصفوي في إيران ينفع معه الحوار أو يشفع عنده الجوار، لأن عدواته لأهل السنة والجماعة تنطلق من منطلقات دينية، حيث تبنَّى نظام الملالي كل البدع الضالة والمفاهيم الباطلة للتشيع، متخذاً من ولاية الفقيه تفويضاً لتكريس الصفوية وفَرْضِ مذهب الإمامية بالشكل الذي تحوّل معه مبدأ ولاية الفقيه من حيز الفكر إلى واقع التنفيذ مع تغليف المعتقدات الفاسدة والبدع المنكرة بغلاف من الدين، يجعل من ولاية الفقيه سلطة إلهية يمارس باسمها هذا النظام ما شاء من المفاسد والمحرمات.
وقد ادعى رموز هذا النظام بأن لهم عصمة، واعتصموا بالتقية والنفاق السياسي لتبرير ما يمارسونه من ممارسات محرمة تحت غطاء حماية الثورة أو تصديرها، وذلك بهدف تدمير الإسلام من الداخل، في الوقت الذي يدَّعون الغيرة عليه والدفاع عنه من الخارج، إذ تلتقي أهداف هؤلاء المغالين في المروق والزندقة مع أهداف كهنة المجوس وأحبار اليهود في الكيد للإسلام والتآمر ضده، بل هم أشد خطراً عليه لأن محاربته مَنْ قِبَلْ أقوام غير منتمية إليه أو محسوبة عليه أخف ضرراً من أولئلك الذين يتظاهرون بالولاء له، وهم يحاربونه من الباطن.
ويرجع ذلك إلى ما يترتب على هذه المحاربة الباطنية من تشويه صورة الإسلام والنيل من سمعته والتنفير منه إلى الحد الذي يؤدي إلى النظر إليه بأنه دين الحقد والكراهية والإرهاب، مثلما فعل معممو الملالي الذين استحوذوا على السلطتين الدينية والسياسية في إيران وسخروا الأولى لخدمة الثانية، مطلقين على أنفسهم ألقاباً كاذبة تعطيهم الحق في ممارسة ذلك، انطلاقاً من قاعدة الغاية تبرر الوسيلة.
وعلاوة على العدواة المؤدلجة بين النظام الحاكم في إيران وبين جواره العربي وخاصة الخليجي، فإن الإرث التاريخي من العداء يكرس هذه العداوة ويغذيها، خصوصاً أن العداوة بالوراثة من أشد أنواع العداوات وألدها خصومة، ومن الصعب إزالتها أو التخلص منها، وقد قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: العداوة تتوارث.
فإذا ما أضفنا إلى هذا العداء الموروث ما يدعيه هؤلاء القوم من نسب مصطنع، وما يغلب عليهم من نزعة عنصرية وشعوبية فارسية وتشيُّع سياسي، فإن العداوة في ظل هذا الوضع لم تعد الحيلة معها مجدية، ولا مناص من استخدام الوسيلة بعد ما بلغ الاصطبار حده، ولم يبق في قوسه منزع ولا إلى غير الاضطراب مفزع لمواجهة هذا العدو الأزلي الأبدي.
ويعتبر التجاور من الأسباب التي لها دور كبير في إثارة العداوة وتهيئة الظروف والبيئة الملائمة لها، وذلك عندما تتعارض المصالح ويختل عامل التكافؤ في قوة الردع بين المتجاورين، الأمر الذي يؤثر على الحالة الأمنية من خلال تصادم الإرادات وتداعي أسباب العداوة في ظل غياب تبادل الردع على نحوٍ يجعل غرور القوة يدفع الطرف القوي إلى تهديد أمن الطرف الضعيف، بدلاً من احترام حقوق الجيرة والانصياع للأعراف والقوانين الدولية التي تنظم هذه الحقوق. كما أن التجاور عبر البحار ووجود المضايق البحرية يكون مدعاة للتنافس في استعراض القوة بين الدول المتجاورة تبعاً لطبيعة الحدود البحرية لهذه الدول، ومدى تأثرها بما يجري داخلها من نشاطات عسكرية يتغير حجمها ونوعها على ضوء قربها وبعدها من خطوط الملاحة الدولية والمضايق المائية.
والتجاور بين الدول العربية وخاصة الخليجية منها وبين النظام الإيراني لم يكن في أحسن حالاته بسبب ممارسات إيران العدوانية التي تمارسها من طرف واحد ضد جيرانها منذ عقود زمنية، إذ دأبت على التدخل في شؤون الدول المجاورة وتغذية النزعات الطائفية فيها وتصدير الإرهاب إليها، ناهيك عن ما تقادم عليه الزمن من احتلال الجزر الإماراتية، علاوة على العربدة البحرية والمناورات الاستفزازية في مياه الخليج بطريقة تجمع بين استفزاز الدول المجاورة وتهديد أمن الملاحة الدولية. كما وصل الصلف والاستكبار بالصفوية الفارسية إلى التدخل حتى في تسمية هذه البحيرة، معطية لنفسها حق ملكيتها والاستئثار بالملاحة فيها أكثر من غيرها.
وما يعانيه العراق من جراء الاحتلال الإيراني له يعطي أقبح صورة عن عداوة هذا الجار الغادر والعدو اللدود الذي لا يحد عداوته حدود ولا يقيدها قيود، متخذاً من مشروعه الطائفي ونهجه التعسفي سبيلاً لتدمير هذا البلد والقضاء على هويته الوطنية وقوميته العربية من خلال عزله عن عمقه العربي وفصله عن تراثه القومي والديني مع حرص نظام الملالي على تغطية نزعته الشعوبية وقوميته الفارسية بغطاء من الطائفية والمذهبية، معتمداً في ذلك على التقية والتدليس والتلبيس والنفاق السياسي، وتوظيف ذلك كله لما يخدم الأهداف السياسية والنفوذ الجيوسياسي في المنطقة.