د.محمد بن عبدالرحمن البشر
يقوم المستثمرون باستثمار أموالهم رغبة في الحصول على عائد مجز مقابل الخدمات التي يقدمونها للنشر، أو مؤسسات اعتبارية تجارية أو خيرية، وفي كل الأحوال فهم ينشدون تعظيم المنفعة لما يوظفونه من استثمارات، وقد يكون استثمارهم في الدولة التي يقطنونها، أو في دول متعددة، وقد يكون ذلك الاستثمار فرديا أو لعدد محدود أو غير محدود من المستثمرين.
في ظل الاستثمار في دول مختلفة، على المنشأة أن تكون ملمة بالعديد من النظم والقوانين المطبقة في كل بلد بها استثمارلتلك المنشأة، وهذا يعني توفر عدد غير قليل من الخبراء والقانونيين والمحاسبين، حماية للمنشأة أو المؤسسة من أي أخطاء قد تقع أثناء ممارستها التشغيل والتعامل البشري والإداري.
لو أخذنا البنوك مثالاً لتلك الحال، لوجدنا أن العالم يزخر بعدد غير قليل من البنوك العابرة للقارات، والمنتشرة في كثير من أنحاء العالم، سواء تعمداً على مستوى الإدارة، أو بصفة فردية، وقد علمنا عن مشاكل عانت منها بنوك في الشرق، وأخرى في الغرب، ومازال الكثير مما حل ببعض البنوك عالقا في الأذهان، ومنها من أعلن إفلاسه مثل بنك لوهمان برذر الشهير الذي كان انفراطه كحبة عقد كادت تجر معها الكثير من البنوك لولا التدخل الحكومي غير المألوف، لإنقاذ النظام المصرفي العالمي، وذلك من قبل الحكومة الأمريكية، وعلمنا ما حل بذلك البنك الشهير البريطاني العريق، لولا شراؤه من قبل بنك آخر بمقدار جنيه واحد، لإنقاذه من الإفلاس، ولاسيما أن به أموالا لشخصيات مرموقة.
رأينا أن نظاماً مصرفيا في دولة مثل فنلندا قد تعرض لهزة كبرى، وقامت الدولة بالتدخل، وعاد الوضع أفضل مما كان عليه، ومثله في ايرلندا، وغيرها.
لقد عانت بنوك في ألمانيا مشاكل كثيرة، لكن لديها نوع من الاتحاد الذي يجعل بعضها يغطي بعضاً في حالات معينة ولضرورات محدودة، كما تعرضت بنوك في اسبانيا والبرتغال وإيطاليا لكثير من المشاكل، وبعضها ما زالت مشاكله تتوارى تحت طبقة رقيقة من الرماد، أما اليونان فالجميع يعلم ما حل باقتصادها وما عانت منه بنوكها، والتي ما زالت قائمة لولا التدخل الأوروبي بقيادة ألمانيا، لرأينا العجب، وفيما يبدو التدخل المالي الألماني ربما يكون ضروريا لكثير من دول أوروبا القريبة.
في الوقت الحاضر، نجد أن بنكا من إنجلترا مشهوراً، وآخر من ألمانيا يتعرضان لغرامات هائلة من الولايات المتحدة الأمريكية بسبب أخطاء ارتكبوها من خلال الإدارة أو الفرد، تتعلق بالتهرب من الضرائب وغيرها، والمفاوضات مازالت قائمة بين تلك البنوك والإدارة الأمريكية للوصول إلى تسوية مجزية للجانب الأمريكي، ومقبولة على مضض من جانب البنوك.
هذه البنوك أخذت تسجل انخفاضاً في أرباحها، أو خسائر بسبب استقطاع جزء من أرباح، تحسبا لما سيقع لا محالة، كما أن بعض هذه البنوك حجبتها عن المستثمرين، وقد يطول هذا الإجراء ليمتد فترات طويلة.
والمطالبات بالتعويض من بعض الحكومات يكون أكثر بكثير مما جنته البنوك من مخالفاتها لتعليمات تلك الدول، والبون شاسع في هذا المجال، وهناك الآن مفاوضات تجري بين إحدى الحكومات وأحد البنوك بتعويض قدره أربعة مليارات دولار، في الوقت الذي لم يجن ذلك البنك من تسهيل طريق المتهربين من دفع الضرائب سوى ملايين محدودة، وهناك بنك آخر تطالبه إحدى الحكومات بنحو أربعة عشر مليار دولار مقابل ملايين محدودة تحققت من مخالفاته لنظام الضريبة في ذلك البلد.
ولم تقتصر المخالفات على البنوك والضرائب، ومطالبة الحكومات بالتعويض، لكن تعدى ذلك إلى أنشطة أخرى، لما هو الحال شركة فليكس واجن في الوقت الحاضر، ومطالبة الحكومة الأمريكية بمبالغ طائلة، بسبب وجود برامج ربما تعطي رقماً مضللاً لنسبة التلوث الذي تحدثه السيارة، وهناك تفاوض حول عشرين مليار دولار تسوية لذلك الخطأ اليسير الذي قد لا يتعدى ضرره ذلك الضرر الناجم من الأمونيا المنبعثة من روث البقر.
هنا يمكننا القول إن الأخطاء غير المتعمدة الفردية أو المؤسسية، أو تلك المعتمدة بصفة رسمية أو فردية، كانت ومازالت من صفات البشر، كما أن استغلال الدول أو الأفراد لتلك الأخطاء قد يكون منصفا أو مجحفا، وهناك من يتعدى ذلك إلى التسامح، أو عدم أخذ تلك الأخطاء بجدية كافية، كما هي حال بعض دول العالم الثالث، وقد يكون عندهم في ذلك نقص الخبرة أو أدوات المتابعة والفحص أوهما معا. ولكل من دهره ما تعود.