زكية إبراهيم الحجي
كان صباحاً مختلفاً لأحدهم.. فبينما اعتاد صباح كل يوم وقبل أن يخرج إلى عمله أن تُقبِل إليه صغيرته ذات الست سنوات تعانقه وتقبله ويحتضنها هو بجناحي الأمان والدفء الأبوي ثم يخرج متجهاً إلى عمله إلا أن ذلك الصباح لم يكن صباحاً اعتيادياً.. عندما همَّ بالخروج كانت صغيرته وثمرة فؤاده وعلى غير عادتها تقف حائلاً بينه وبين الباب لتمنعه من الخروج وقف الأب ساهماً للحظات ينظر إلى عينيين تتحدثان بلغة الدموع.. تدارك أمره فأخذ ابنته بين ذراعيه وراح يقبلها ويقول لها سأُنجز عملي سريعاً وأعود كي نذهب سوياً برفقة والدتك لزيارة جدتك.. ولأن الحزن سهم يؤلم القلب ويُجبر العين على ذرف الدمع لا شعورياً فما بالنا بالطفل المتشبث بوالديه خوفاً من أن يفقدهما أو يفقد أحدهما.
لا محالة لا بد من ذهاب الأب إلى عمله فما كان من الصغيرة إلا أن قالت وبلغة براءة الطفولة النقية الصادقة: «طيب يا بابا بس لا تتأخر علينا أنا أبي أستناك هنا عند الباب وبعد جيب لي معك شوكلاته لا تنسى يا بابا» أي إحساس وحدس متخفٍ وشعور قلبي غريب انتاب هذه الصغيرة وكأن قلبها يحدثها بأن أمراً ما سيحدث.
استقل الأب مركبته وسار في طريقه وفجأة ودون سابق إنذار حدثت المأساة.. مركبة منطلقة بسرعة جنونية ارتطمت بمركبة الأب لتتحول إلى نصفين متطابقين وأما جسد الأب فأشلاء متناثرة.. رحماك ربي فلا راد لقضائك.
هذه الحادثة وغيرها من الحوادث المرورية المفزعة التي تفاقمت بشكل مخيف باتت تؤرق المجتمع فلا يكاد بيت يخلو من مآسي حوادث المرور ومن ينجو من الموت لم ينج من الإعاقة ومن نجا من الإعاقة لم يسلم من رجفة الفزع.. شباب ونساء.. مسنون وأطفال كانوا ضحايا للحوادث المرورية ناهيك عن الخسائر المادية التي تقدر بالمليارات والمسلسل ما زال مستمراً على الرغم مما نشهده من حملات للتوعية والتحذير من الحوادث المرورية وعلى الرغم أيضاً من تطبيق نظام تحصيل مبالغ مالية من كل مخالف للقوانين المرورية وحتى عقوبة السجن مدرجة في أنظمة المرور.. إذن أين يكمن الخلل؟ هل هو تهاون من جميع الأطراف المعنية.. أم ضعف في تشريعات أنظمة المرور أسئلة كثيرة تجتمع في سؤال واحد فقط ألا وهو كيف نحل هذه المعضلة المتعلقة بسلامة أفراد المجتمع.
رسالتان فقط أوجههما من خلال هذا المقال.. الأولى لوزير التعليم.. يا معالي الوزير لماذا لا تتبنى وزارتكم خططاً تجعل التوعية المرورية من أولوياتها ابتداءً من المرحلة الابتدائية وحتى نهاية الثانوية العامة.. ويا حبذا لو خصص لها مادة مستقلة تشمل قوانين المرور وكل ما يتعلق بالسلامة المرورية.. أما الرسالة الثانية فهي سؤال موجه إلى مسؤولي المرور.. لماذا لا تسحب رخصة القيادة من أي متمرد على قوانين المرور وتبقى الرخصة قيد التحفظ وصاحبها في خانة الحذر وذلك لفترة من الزمن.. أرجو أن يعي كل طرف مسؤوليته مما ينجم من الحوادث المرورية ويتعظ الجميع من حجم الخسائر البشرية والاقتصادية وبالتالي يلتزم بآداب قواعد المرور حفاظاً على أمن وسلامة المجتمع.