أ.د.عثمان بن صالح العامر
برعاية كريمة من لدن معالي وزير التعليم الأستاذ الدكتور أحمد بن محمد العيسى تنعقد في رحاب جامعة حائل لحظة كتابة هذا المقال، وعلى مدى يومين 18-19-5-1438هـ ندوة «التكامل بين مخرجات التعليم العالي واحتياجات سوق العمل»، ومع أهمية ما ستنتهي إليه هذه الندوة المتميزة - في اعتقادي - نظراً لحسن اختيار المتحدثين فيها، ولكون موضوعها من أكثر الموضوعات سخونة هذه الأيام جراء ازدياد نسبة البطالة بين الشباب والفتيات السعوديين والسعوديات، وللوضع الاقتصادي العام الذي تمرّ به المملكة و... فإنني أرى أن التوصيات والنتائج التي سيخلص لها المتنادون ليس من السهولة بمكان أن تنتقل إلى مشاريع ناجزة نراها واقعاً فعلياً يحقق نسبة إشغال حقيقية تقلص الهوّة التي تزداد يوماً بعد آخر لدى شريحة الشباب من الجنسين، التي تعدّ الأعلى والأكثر بين شرائح المجتمع المختلفة، والسبب بسيط ولكنه معقّد، ألا وهو أن الجامعات لم تفهم بعد آلية السوق وكيف تدور ترسانته، والسوق هو أيضاً لم يزل متحفظاً بشكل ظاهر أو من طرف خفي على استقطاب الشباب السعودي ليقوم بما يوكل للأجنبي من أعمال، رغبة منه في الحصول على أكبر هامش من الأرباح الممكنة، والاستفادة من هذا الوافد طوال ساعات النهار وربما في أعمال ليست ذات صلة مباشرة بعمله الذي جاء من أجله.
إن جميع الخطط والاستراتيجيات والندوات والمحاضرات والخطب والكلمات تكسرت أمام ترسانة الواقع، ولم تجدِ نفعاً حتى تاريخه، يعرف هذا جيداً من يتتبع إيقاع السوق السعودي ويسبر أغوار قاعات الدرس في جامعاتنا المختلفة، وليس في الأفق للأسف الشديد ما يبشر بفرج قريب لمن ظلوا سنوات طويلة يبحثون عن فرصة وظيفة تتوافق مع تخصصاتهم وتفي بمتطلباتهم الحياتية.
مثال بسيط أدلل به على ما نحن بصدده في هذا المقال، في جدة احتجت إلى صيانة الجوال فنزلت لسوق الشمال في حراء وكانت المفاجأة، إذ لم أَجِد في جميع المحلات بائعًا أو موظف صيانة أو ... سعودياً، كلهم أجانب، إما هنود أو بنجلاديشيون أو سودانيون أو ... ولا أدري أين ذهبت تلك القرارات والحملات التفتيشية والتهديد والوعيد والدورات التدريبية، ولا أعلم ما مصير تلك الأرقام التي بشّر بها معالي وزير العمل السابق الدكتور مفرج الحقباني حين أصدر هذا القرار في أواخر شهر جمادى الأولى 1437هـ القاضي بقصر العمل بالكامل في مهنتي بيع وصيانة الجوالات وملحقاتها على السعوديين والسعوديات، حيث قال حرفياً « بأن هذا الإجراء سيوفر من 15 إلى 20 ألف وظيفة للسعوديين... وأن القرار يأتي ضمن خطة تستهدفها وزارة العمل لتأمين مليون ونصف المليون وظيفة للسعوديين لعام 2020»؟!.
أنا هنا لا ألقي التبعة كلها على السوق ولا على الجامعة فحسب، بل قد يكون الشباب هو المتهم الأول في جدية البحث عن فرصة لكسب لقمة العيش، والصدق والتفاني وبذل الجهد عندما ينخرط ضمن منظومة العاملين في هذا القطاع التنموي أو ذاك، ومع ذلك فإن على الجامعات أن تبذل جهدها في تثقيفه وتربيته للحياة الجديدة ذات الوظائف التنافسية المحدودة، كما أن على السوق أن يكون أكثر مرونة ويقبل التعامل مع المرحلة الانتقالية التي نمر بها بكل شفافية وأريحية ومصداقية ووطنية ووضوح رغبة في التكامل التنموي في وطن الخير والعطاء.
شكراً لجامعة حائل على ما تبذله من جهد في ميادين المسؤليات الثلاث « الأكاديمي، والبحث العلمي، وميدان خدمة المجتمع وفي هذا السياق يأتي انعقاد مثل هذه الندوات النوعية ذات الصِّلة المباشرة بالوجع اليومي للمواطن السعودي وعائلته والتي لا يحس بألم لسعها إلا من اكتوى بنارها فذاق مرارة البطالة أو على الصحيح العطالة كفانا الله شره، إذ في أحضان هذه وتلك تولد الجريمة ويتجذر الفساد وتنتشر الرذائل وتسري الشائعات وتغيب معالم الجدية في الحياة وتسود الاتكالية وتضعف مفردات المواطنة الحقة وتخبو معالمها وتتهاوى عناوينها، ولذلك هذه المبادرة من قبل إدارة جامعة حائل تعتبر خطوة هامة في المسار الصحيح، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.