د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
(1)
** «ما أرانا نقول إلا معادًا أو معارًا ..» لافتةٌ أيقن بها القدامى مثلما صدَّقها المحدثون؛ فصار الكلام اجترارًا واجتزاءً؛ جديدُه عتيق، وجميلُه مُردَد، ومؤثِّرُه نابعٌ من خارجه، والفارق شكلٌ يمنح اللغة تميزًا والأسلوبَ تفردًا، وحين جاء الأحدثون اطَّرحوهما فما عاد البيانُ إضافة ولا العرضُ مضيئا.
** اختلف الزمن فاختلف ناسُه ، وبتنا ذوي كتاباتٍ متماهيةٍ لا قيمة فيها لممتلئٍ فوق فارغ ، ولا لقادرٍ على عاثر، ولا بأس إن لحن مؤكدمٌ وتلعثم مسؤول وتجوهل النحو وتُنوسيَ الإملاء، وبينما كنا نستلهم من الكاتب والإذاعيِّ والأستاذ ما يرجحُ رأيًا ويضيء معتمًا صرنا نتهمُ تمكنهم ونستهينُ بمعارفهم.
** الهُويةٌ هوت.
(2)
** كانت الحكاياتُ محدودةً والحديث ممدودًا، والأهم فيها : من قالها أو عمَّن رويت ؟ ووعينا أنّ «فلانًا « ثبتٌ؛ فما ينقله أو يُنقل عنه أقربُ للصحة، أما « الآخَرُ» فمتعجلٌ لا يمكن الركونُ إلى مقولاته أو نقولاته؛ فقلَّ الخطأُ وتقاصر الخلط وتقزّمت الشائعات.
** واليوم ؛ لم نَعُد قادرين على الفرز والتصنيف والتجريح والتعديل؛ فنغفو مصدِّقين ونستيقظ مكذَبين، ونظن خيرًا فنكتشف شرًا، والعجلةُ سببٌ أول، والتسابق سبب ثانٍ، والسيل المعلوماتي مبتدأٌ ومختتم، ولم يَعُد للرأي قادةٌ ذوو صوتٍ وصيتٍ يعنيهم ترشيدُ الاندفاع وتحكيم المختلف.
** التصديق تصفيق.
(3)
** كلما غاب أو رحل رمزٌ ذو ذاكرةٍ عامرةٍ مخبوءُها يفوق مُعلنَها دون أن تُوثق حكاياته أو تُنشر سيرته أيقنَّا بأوجاعِ فقدِ تأريخِنا الشفهي الموارَى عن الكُتب والخُطب والتدوين.
** ومع وجود جهودٍ لتسجيل بعضها فإنّ كثيرًا فات أو سيفوت توثيقه، مثلما يتباطأُ الإعلام عن المهم فيها مداراةً أو مراعاةً أو تخوفًا، ويتواصل كثيرون عارضين أسماء شخصياتٍ وهن عظمُها واشتعل شيبُها وربما شاخت ذواكرُها مؤملين التدخل مع من يعنيهم الأمر لتدارك ما يختزنونه وقد يتوارى فنأسى.
** التجاهل تجهيل.
(4)
** لعل « الجمعية السعودية للحفاظ على التراث « المعنية بتسجيل التأريخ غير المادي تتبنّى مشروعًا يُكمل ما تقوم به بعضُ الجهات الرسمية ويتجاوز أنظمتَها ويتيح للأجيال قراءة الأمس دون همس.
** زار صاحبكم الجمعية بدعوة كريمة من المشرف عليها الأستاذ عبدالرحمن العيدان، والتقى بمسؤولي ومسؤولات فرق العمل واطّلع على إنجازاتهم وخططهم، وراق له أن ينفذ بضعة عشر شخصًا يمثلون جميع موظفي وموظفات الجمعية ما ينوء به العصبة ذوو الرتب والنشب.
** الهدف يفوق الترف.
(5)
** الصمت والرقيب عنوانان يضادان اللغة المتزنة والتأريخ المنطلق والشهود الأحرار، وما لا نكتبه بطروسنا لنستعيده في دروسنا سيكتبه غيرنا بحروفٍ مضللة وموقف متحيز، ومهما قسا الماضي علينا أو قسونا عليه فسيكون أرأفَ مما يقتنصه منتهزٌ أو مرتجز.
** الفارس غيرُ الحارس.