د. عبدالرحمن الشلاش
العقول البشرية لا تقدر بثمن. تهميشها أو الاستغناء عنها خسارة عظيمة لذلك تصرف الدول المتقدمة أموالا طائلة للاستثمار الأمثل في العنصر البشري تعليما وتدريبا ورعاية واهتماما يفوق الوصف، ثم إيجاد البيئة المحفزة على النجاح والتميز من مراكز بحث علمية ومعامل ومختبرات وأدوات وحوافز مادية مغرية ساعدت على إحراز التقدم ودفع عجلة التنمية مسافات بعيدة جدا، وربما هذا هو الفارق الواضح بيننا وبينهم.
في العالم العربي قد نتحدث عن عمليات إعداد تلك العقول وتدريبها، وعن الإفادة عنها بشكل صحيح، وعن توظيفها بما يحقق أهداف التنمية لكننا سنخرج من حديثنا بنتائج غير مرضية من الواقع المعاش، وبالذات التوظيف حيث يوضع الشخص في المكان غير المناسب لإمكاناته وقدراته وطبيعة تخصصه مما أفقدنا كثيرا من المؤهلين بعد أن صرف في تعليمهم وتدريبهم وربما ابتعاثهم ميزانيات كبيرة جدا.
شيء محزن أن تجد باحثا علميا في وظيفة إدارية وقد يحول للأرشيف لأسباب تعسفية، أو يهمش ويترك دون أن يستفاد منه. لعل حالة توظيف الأطباء في وظائف إدارية ماثلة أمامنا إلى اليوم، وهذا دور وزارة الصحة في دراسة هذه الظاهرة وحلها فالطبيب مكانه في المستشفيات والمراكز الصحية، ومراكز البحث الطبية. نفس الوضع المقلوب في توظيف أو تعيين أصحاب تخصصات غير مطلوبة ولا حتى مفيدة في مراكز متقدمة تعنى بالتخطيط الاستشرافي بعيد المدى، أو إعداد الخطط التشغيلية بينما نعلم وندرك أن التخطيط علم يدرس في أعرق الجامعات العالمية، وبيننا من تخصصوا في هذا المجال لكن تم توظيفهم في أماكن لا علاقة لها بتخصصهم فمن الطبيعي أن نجد هذا الاعوجاج الظاهر في تخطيطنا.
أعرف أن مشكلة سوء التوظيف بوضع الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب ليست وليدة اليوم ولا حتى الأمس القريب بل هي نتيجة تراكمات سنوات طويلة لا يتحملها شخص واحد ساهمت في استمرارها عوامل كثيرة ومنها القناعات الشخصية والمحسوبيات بسبب غياب المعايير والضوابط الواضحة لشغل الوظائف وفق توصيف وظيفي دقيق يضع كل مؤهل أو خبرة في مكانه الصحيح والذي من خلاله يستطيع أن ينتج وينجز بعد أن توفر له البيئة المحفزة والمساعدة على الإنجاز.
لدينا أعداد غير قليلة من الخبرات التي يحتاجها الوطن وتوظيفها استثمار لعقول تشكل ثروة ثمينة وإهدارها يشكل خسارة يصعب تعويضها.