عروبة المنيف
حدثتني إحدى الصديقات عن ولعها بالسفر والاطلاع على الحضارات والثقافات المختلفة، فالسفر هوايتها المفضلة قبل الزواج وبعده، وهي ممتنة جداً لزوجها الذي منحها هذا الامتياز العظيم بسماحه لها بالسفر أينما أرادت هي وأولادهما، فهو غير محب ومكترث للسفر وعلى الأخص مع العائلة والأطفال، ويفضل أن يسافر مع أصدقائه، ولكنه لا يغلق عليها الأبواب بل يدعها تسافر مع أطفالهما لتمارس هوايتها المفضلة، لذلك هي تنشد رضاه عليها حتى لا يسحب منها هذا الامتياز يوماً ما، فلقد أخبرتني أنها هي من تنفق على المنزل والأطفال، وهي من تهتم بشؤونهم بشكل كامل فلا تطالبه «بريال واحد» إلا ما تجود به نفسه لأنها تخشى أن تضغط عليه في مثل هذه الأمور فينقلب عليها ويسحب منها تصريح السفر، فقد فعلها في السابق!
لقد أصبح تصريح السفر بالنسبة لبعض النساء غالي الثمن، حيث مارسه بعض الرجال كأداة ابتزاز على النساء أمثال تلك الصديقة التي تنازلت عن حقها كأم وزوجة في الإنفاق عليها من قبل الزوج أو حتى مشاركته لها في المهام والمسؤوليات والواجبات، ولكن من أجل هذا الامتياز الذي يملكه الرجل في الأسرة بموجب حقه القانوني في منع المرأة من السفر فقد تم استغلال هذا الحق من بعضهم، وأسهم ذلك في تفاقم معاناة النساء حتى أصبحن هن الطرف الخاسر في الأسرة.
كثرت المطالبات في الآونة الأخيرة من أجل إسقاط نظام الولاية على المرأة، وأصبح هناك لغط في فهم الولاية سواء على المستوى المؤسساتي أو الفردي، فاستخدم مصطلح الولاية كأداة تسلط على أفراد الأسرة لحرمانهم من حقوقهم المشروعة أصلاً، هذا اللغط الحاصل بين شرعية الولاية وهي» مسؤولية الولي تجاه أسرته» وبين مسؤولية المؤسسات في «وضع القوانين الكفيلة بحماية أفراد الأسرة من تسلط الولي» ومنهم المرأة والطفل، جعلت المطالبات الحثيثة بإسقاط الولاية أمراً صعب المنال، فالمطالبات ستطول دون أن يكون هناك حراك مجدٍ. إن تركيز المطالبات في الوقت الحالي يجب أن ينصبَّ على وضع قوانين كفيلة بالاعتراف «بأهلية المرأة»، ومنها - على سبيل المثال - إلغاء قانون «منع المرأة من السفر إلا بإذن الولي»، فلم يكن هذا القانون موجوداً أصلاً قبل ما يزيد عن ثلاثة عقود، ولتتولى جهة رسمية المطالبة به «كجمعية حقوق الإنسان»، بحيث تعمل على نشر استطلاعات للرأي العام، وعلى إجراء دراسات توضح حجم الضرر الواقع على النساء وعلى الأسرة وعلى المجتمع بشكل عام، وعلى استخلاص مؤشرات ترشدنا إلى موقعنا من تلك الإشكالية، ومن هذا اللغط الحاصل، وليتم ذلك بشكل «رسمي وعلمي» وعلى أعلى المستويات حتى لا «نسمع طحناً ولا نرى عجناً».
كلنا نسعى لخلق بيئة مجتمعية صحية قائمة على المشاركة والتفاهم والعدالة المجتمعية لتلقين أطفالنا دروساً وقيماً عالية من أجل مجتمع حضاري آمن سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.