فوزية الجار الله
جميل أن تستغرق في القراءة، أن تتوالى الكلمات والأسطر والصفحات أمام عينيك واحدة تلو الأخرى، غاية المتعة هنا أحياناً أن تضع يدك على حقيقة مؤكدة قابلة للنقل أو الاقتباس أو الاستناد إليها، لكن حين تكون حقيقة مهزوزة غير مؤكدة (حدثاً أو واقعة)، هنا تعاني عثرة ليست لك ولم تكن أنت واحداً من أسبابها.
أشعر بغيظ شديد حين أقرأ معلومة نُقلت ضمن أحد الكتب يرافقها عبارة أن هذه الحقيقة مختلف عليها ولا يعلم مدى صحتها والكتب التاريخية على وجه الخصوص تفيض بكثير من تلك الحقائق غير المؤكدة، وهي تأتي غالباً تحت عنوان (يُقال، أو يُذكر أن..) ولا بأس في ذلك إن كان الأمر يختص بواقعة بسيطة عابرة لكن المؤسف أن تكون هذه القضية قضية كبرى تُشكّل مفترق طرق أو مفصلاً تاريخياً هاماً. فعلى سبيل المثال قرأت في كتاب لعلي الوردي بعنوان: «الأحلام بين العلم والعقيدة» تحت عنوان (فذلكة تاريخية): يقال إن من أقوى وأهم الأسباب التي دفعت المأمون إلى ترجمة الكتب اليونانية حلماً رآه في منامه. فقد حلم ذات ليلة كأن أرسطو طاليس جالس معه على كرسي، فهابه المأمون واحترمه فجرى بينهما المحاورة التالية:
المأمون: ما الحسن؟
أرسطو: ما استحسنته العقول.
المأمون: ثم ماذا؟
أرسطو: ما استحسنته الشريعة؟
المأمون: ثم ماذا؟
أرسطو: ما استحسنه الجمهور.
المأمون: ثم ماذا؟
أرسطو: ثم لا ماذا!
ويقول د. علي الوردي بأن المأمون فيما يبدو سبق وأن سمع وقرأ عن أرسطو كثيراً وقد كان «معتزلياً» كثير الولع بأرسطو وقد رآه في المنام بعد أن شغل ذهنه كثيراً..
من وجهة نظري الخاصة أن هذه الحكاية تبدو غريبة وشاذة فهل يعقل أن يتخذ خليفة المسلمين فعلاً ما بناء على حلم؟!
أخيراً أرى بأن الأحلام التي تأتي في المنام تبدو مثيرة ولافتة لعشاق الفن وقد تكون صادقة في حالات نادرة حين تكون رؤيا لأحد الصالحين ذكراً كان أو أنثى لكن لا ينبغي أن تستغرقنا الأحلام فتسرقنا من واقعنا إذ تبقى حقائق الحياة التي نراها في وضح النهار هي الأكثر هيمنة واستبداداً بوجودنا.