فضل بن سعد البوعينين
يشعر القادم إلى نجران بطمأنينة الأمن، وانتظام الحياة اليومية، وحركة الأسواق فيها بالرغم من قصر المسافة بين المدينة والحَدِّ الجنوبي الذي تنشط فيه العمليات الحربية، ويُستَهدَف بشكل مباشر من عصابة الحوثي التي بدأت في البحث عن تحقيق مكاسب إعلامية من خلال عمليات فردية تُصنَّف ضمن حرب العصابات لا المواجهة العسكرية. برغم الانعكاسات على اقتصاد المنطقة، وانتظام العملية التعليمية، والنقل الجوي المدني إلا أن تماسك المنطقة وصمود أهلها بات أنموذجاً يُشار له بالبنان.
تتسبب التجمعات العسكرية في مناطق العمليات بتغذية التضخم وانفلات الأسعار، وهو ما لم أجده في أسواق نجران، التي باتت أكثر استيعاباً للوضع الاستثنائي، وتناغماً مع الاحتياجات الضرورية.
يشير الأمير جلوي بن عبد العزيز بن مساعد، أمير منطقة نجران، إلى الإجراءات الحكومية التي أسهمت في تدفق المزيد من المنتجات الأساسية للمحافظة على توازن السوق، وتغليب جانب العرض لضمان استقرار الأسعار.
يتجلى شموخ نجران في أهلها الأوفياء، ووجود القوات المشتركة المنتشرة على طول الشريط الحدودي الملتهب..
{رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ..}، وضعوا بين أعينهم النصر أو الشهادة، فنصرهم الله ومكّنهم من أعدائهم، وأعانهم على حماية حدود المملكة.
الانتصارات المحققة على الأرض، والكفاءات البشرية المحترفة، والعُدد الحربية المتطورة قصص لم ترو بعد، ولم ينقل الإعلام منها إلا النزر اليسير، في مقابل شائعات ماكينة الدعاية الحوثية التي تديرها إيران من لبنان وتبث سمومها بين اليمنيين أنفسهم وتصل شظاياها المجتمع البعيد وغير المطلع على ما يحدث في نجران.
يؤكد الأمير جلوي بن عبد العزيز على أهمية السلاح الإعلامي القادر على قلب موازين المعركة، لما له من تأثير قوي على الجيوش والمجتمعات. أؤمن بأهمية الإعلام بشكل عام، والإعلام الحربي بشكل خاص، ما يستوجب العمل على تعزيزه وخلق إستراتيجية إعلامية كفؤة قادرة على التعامل الاحترافي مع الجهود العسكرية المتميزة، والانتصارات المشهودة، والتأثير الإيجابي على قواتنا العسكرية، والرد على الشائعات وكشفها، وبث الرعب في نفوس القوات المعادية.
الإعلام الجديد من أهم أسلحة المواجهة، رسائله القصير تصل إلى ملايين المتلقين وفي دقائق معدودات. لم تعد الرسالة النمطية مقبولة في عصرنا الحديث، ما يستوجب العمل على تطوير الرسالة الإعلامية والدمج بين الإعلام التقليدي والجديد لخدمة الوطن وحمايته وتعزيز أمنه، والمساهمة الفعَّالة في دعم الجهود الحربية على الحد الجنوبي.
تبرز أهمية الإعلام الحربي بشكل لافت في أوقات الأزمات، التي تحتاج دائماً إلى الإدارة الشاملة والتكاملية بين الجهود العسكرية، والإعلامية من أجل تحقيق الأهداف الإستراتيجية.
أجزم بحاجة إعلامنا الأمني للكفاءة والشمولية القادرتين على التحكم في المخرجات، وبما يدعم الجهود الدبلوماسية، والعمليات الحربية ويوفر الحماية التامة لرجال الأمن الذين قد يتعرضون لمخاطر متنوعة لأسباب مرتبطة بالمعلومات أو الصور المنقولة.
لا يمكن تحقيق النجاح الإعلامي بمعزل عن مصادر الأخبار التي تعتبر وقود العملية الإعلامية، وهذا يقودنا إلى طرح أهمية تمكين الإعلاميين الموثوقين من نقل الأحداث والصور والمشَاهد التي تُشكل مجتمعة الرسالة الإعلامية المؤثرة والداعمة للجهود الحربية.
كم من النجاحات والبطولات التي تحققها قواتنا المشتركة، وكم من التضحيات والقصص المؤثرة الغائبة عن المجتمع لأسباب مرتبطة بضعف التواصل، أو ربما قيود الرقابة العسكرية التي تحتاج إلى مراجعة قادرة على تحقيق التوازن بين متطلبات أمن وسلامة المواقع والجنود وسرية بعض المعلومات المهمة، وبين حاجة الإعلام لتلك القصص والأخبار المؤثرة التي يسهم نشرها في رفع معنويات الجنود وأسرهم والمجتمع، ويوقف سيل الشائعات، ويفت في عضد العدو.
لا تقل الحروب الإعلامية شراسة وتأثيراً عن العمليات الحربية، بل هي جزء رئيس من أدواتها الاحترافية. يفترض ألا يتوقف الدور الإعلامي عند نقل أخبار المواجهة الحاسمة وتضحيات القوات السعودية المشتركة وبطولات منتسبيه، بل يجب أن يتحول إلى قوة ردع لشائعات الحوثي التي باتت تُدار من لبنان بعد تدمير مواقع بثها على الأراضي اليمنية، وأن يتوسع ليشمل خلق قنوات إذاعية وفضائية موجهه للداخل اليمني وفق إستراتيجية منضبطة تسهم في تحفيز اليمنيين على استعادة وطنهم وتحقيق أمنه واستقراره ومواجهة المنشقين وكل من يهدد أمن اليمن، إضافة إلى خلخلة العلاقة بين الانقلابيين أنفسهم وإلحاق الهزيمة النفسية بهم.
قد تكون ورشة عمل «التغطية الإعلامية في الأزمات» التي عقدتها قناة الإخبارية في نجران بداية لرسم إستراتيجية إعلامية أكثر تطوراً وتوافقاً مع المتغيرات العالمية والاحتياجات الوطنية، ومن أدوات التغيير الإعلامي المنشود في التعاطي مع الجهود الحربية في الحد الجنوبي.