عبده الأسمري
في الحياة أمال وأمنيات تحاصر المرء أحياناً بحكم الضرورة ويلاحقها أحياناً بموجب دوافع إنسانية، وبين الأمل تظل «القناعة» مؤشرًا حياديًا يوزن الحياة بين معدلات من الاندفاع والتروي.
تظل صراعات الحياة مستمرة وهي كينونة النفس الإنسانية ويظل الإنسان في محاولات لحل هذه الصراعات التي تبدأ معه منذ صرخة الميلاد وحتى خروج الروح من الجسد، وتبقى مؤشرات الفهم بين صراع الحياة ومتاعها هي من يسير الناس في دروبها بموازين مختلفة ومقاييس متفاوتة.
أمثلة بسيطة وسلوكيات تحدث في المجتمع وخلال حياتنا اليومية وبتحليل عميق سنجد إجابة كافية لهم وهي ما تعكس الصراع بين صراع الحياة ومتاعها.. عندما يأتي مجموعة من الشباب ويحولون أحد الأحياء ليلا إلى مرتع للتفحيط ما هو إلا صراع لإثبات الذات أو تفريغ الفراغ أو استئثار الإعجاب بينما نجد أن هنالك صراعاً مفهوماً وغير مقبول لأجل متاع غير منطقي، وحينما يجتمع مجموعة من الأميين ممن يكسي الشيب وجوههم ويغسلون أيدي ضيوفهم بالسمن ويحرقون أرتال العود وهم لم يستطيعوا تأمين مستقبل أبنائهم ولا يعيشون حياة هانئة إنما هم يواجهون صراعات عقدة النقص وصراع عقيم في ذواتهم المريضة. بينما المتاع التصفيق والتشجيع والمدح الذي يجل لهم المزيد من سوءات العمل، إذا ما رأينا من يلغي الآخرين ويهاجمهم ويصادر أفعالهم ويسيء لوطنه ودينه وذمته فهو يصارع الجنون الذي يسيطر على ذاته أما متاعه فهي أمنيات كاذبة تجعله يعيش في غياهب الخرافة الذي شب عليه وسيشيب وهو يمارسها وبحثا عن أمنيات لا يقرها العقل ومتاع مكذوب بصكوك غفران وهمية إلى الجنة.
كل الحياة صراعات في الأنفس مقترنة بخطوط من المتاع التي لو بحثنا في عمقها لوجدنا تنقسم ما بين المقبول والمنطقي والمحرم، بينما تظل تلك الصراعات تعكس العمق الحقيقي للنفس إما لتربية أو لخبرات مؤلمة أو لسلوكيات مكتسبة أو لحيل دفاعية يحاول من خلال حل الصراع بالإسقاط أو الإعلاء أو التبرير وغيرها.
وبطبيعة الحال فإن القلق هو المادة الخام التي ترسم لوحة الصراع للنفس الإنسانية فإن ضبط وطغت فيه النفس اللوامة على الأمارة بالسوء لظل القلق صراعا داخليا ينتهي بسلوكيات مفيدة منضبطة لا تتجاوز حدود الأدب والمنطق بينما إذا واجه هذه القلق العميق نفس مهيأة للاكتساب والتغير لم يسيطر عليها الاتزان فإنها ستدخل في موجة الفوضى باحثة عن متاع «غير مقبول» ومخالف للمنطق وقد يدخل في «ساحات المحرم بدرجات مختلفة».
على كل إنسان أن يدرك إدراكاً تاماً أن ما إملاءات النفس وما حول الإنسان من مؤثرات أو معطيات أو عقبات أو مقومات يجب أن تخضع جميعها إلى مقياس الإنسان بما يوازن بين صراع الأماني ومتاع المتحقق فعندما تتجاوز الصراعات داخل النفس حدود المطالب أو خارج إطارات المنطق فإن الشخص سيصاب بحالي من عدم الاتزان النفسي والاجتماعي سيدخل في حدود محرمة من الكفر بالنعم سيتجاوز مساحات القناعة الجميلة التي أمر بها ديننا وهي أساس جميل وأصيل للسعادة ولشكر النعم لذا فإن المسألة جميعها تعد معادلة ذات أطراف يجب أن يسير الإنسان فيها بوسطية واتزان بعيداً عن الغلو في التارجح بين الصراع والمتاع.
الصراع جدل أجباري وجدال مسلم به في «حيثيات النفس» وداخل الإنسان وفي ثنايا الروح هو يتعلق بمصدر ذاتي وهو النفس يختلف عن الجدل الخارجي مع أطراف أخرى قد تشكل السلوك الإنساني.