د عائض محمد آل ربيع
من بدهيات القانون الدولي مبدأ حسن الجوار وقد اشتكى مرارًا وتكرارًا كثير من ساسة الدول العربية وشعوبها من عدم احترام إيران لهذا المبدأ واستمرار تدخلاتها في الشؤون الداخلية لبلدانهم منذ قيام الثورة الإيرانية، فهل نحن العرب نتحامل على إيران وهل نحن فقط الوحيدون المتضررون من سياسات إيران وتدخلاتها؟ ربما لو ألقينا نظرة عابرة على علاقات إيران بجيرانها غير العرب سنفهم شيئًا من عقلية قادة الجمهورية الإيرانية. يحيط بإيران إضافة لدول الخليج العربي الست ودولة العراق ست دول أخرى هي: أذربيجان، وأفغانستان، وأرمينيا، وباكستان، وتركمانستان، وتركيا. لا نستطيع أن نسبر علاقات كل تلك الدول مع إيران من خلال هذا المقال الصحفي القصير لأن هذا الأمر يحتاج إلى بحث علمي مطول، ولكن سنكتفي بدولة أذربيجان كمثال على التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لجيرانها التي يمكن تلخيصها في الآتي:
1 - يتحسس الأذربيجانيون من علاقة إيران بأرمينيا التي تحتل 20 في المائة من الأراضي الأذربيجانية، وتعتقد بأن إيران تؤيدها وتدعمها اقتصاديًا وتتهمها بأنها تزعم الدفاع عن الإسلام بينما تدعم أرمينيا النصرانية ضد المسلمين الأذريين، وفي المقابل هناك تأكيدات من قبل مسؤولين أرمن بأن إيران أرسلت قوات أفغانية موالية لها لتقاتل إلى جانب أذربيجان في حربها ضد أرمينيا.
2 - وجود مخاوف من المطالبات التي ينادي بها المتطرفون في إيران التي تدعو إلى عودة أذربيجان إلى إيران باعتبارها أرضي إيرانية، كما أن 90 في المائة من الشعب الأذري هم من المسلمين الشيعة ومراجعهم أحيانًا يكونون في إيران، وهناك مخاوف أيضًا من نفوذ الأفكار الثورية ومبدأ تصدير الثورة، ما يؤيد تلك المخاوف الآذرية هو أنه حتى المناهج الإيرانية التي تدرس للطلاب اليوم تذكر أن «أذربيجان ونخجوان قد اقتطعت من إيران»، ومن فينة لأخرى تقع بعض الحوادث التي تثير مخاوف أذربيجان كان آخرها قد وقع في نهاية عام 2015م في مدينة نارداران التي تعد من أهم معاقل تجمعات الشيعة في العاصمة باكو، فقد هاجمت القوات الأرمنية حسينية أثناء إقامة عزاء أربعينية الحسين قتل فيها عدد من الشيعة كما قتل اثنان من رجال الأمن، واتهمت وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية وعدد من نواب البرلمان الأذربيجاني جمهورية إيران بشكل مباشر وغير مباشر بالتسبب في وقوع هذه الحادثة كما نشرت بعض وسائل إعلامية أذربيجانية صورًا لرجال دين إيرانيين مثل آية الله نوري همداني يقوم بتقبيل يده عدد من المواطنين الأذربيجانيين ونفت السفارة الإيرانية علاقتها بذلك.
في المقابل قام عدد من نواب مجلس الشورى الإيراني بإصدار بيان يحمل توقيع أكثر من خمسين نائبًا في البرلمان جاء فيه: «دولة أذربيجان تسمح لعبيد أمريكا وإسرائيل باللعب ولعب القمار وشرب الخمور حتى في أيام محرم بكل حرية ولا تسمح لشيعة علي بن أبي طالب بأداء مراسم العبادة»، كما قام عدد من الكتاب والشعراء الأذربيجانيين الشيعة والموالين لإيران بكتابة بيان آخر جاء مشابهًا لبيان الاستنكار الذي صدر من مجلس الشورى الإيراني بل اللافت أنهم يطلقون على جمهورية أذربيجان «إيران الشمالية» ردًا على ما يطلقه الأذربيون المتعصبون للقومية التركية عندما يستخدمون مصطلح «أذربيجان الجنوبية» يقصدون بذلك محافظتي أذربيجان الغربية والشرقية الإيرانيتين. نكتفي بما تم إيراده من شواهد على تدخلات إيران الصريحة في الشؤون الداخلية للدول، ونذكر جمهورية إيران الإسلامية أن مبدأ حسن الجوار الذي لم تحترمه مع جيرانها عربًا أو غيرهم هو مبدأ أساسي في القانوني الإسلامي قبل أن يقره القانون الدولي.