عبدالعزيز السماري
العصر الحجري لم ينته لعدم وجود الحجر، وسوف ينتهي عصر النفط طويلاً قبل أن ينفد العالم من النفط..، تنسب هذه المقولة لوزير النفط السعودي الأسبق أحمد زكي يماني، وقد بدأت بالفعل ملامح صدق تنبؤه لمستقبل النفط، فالطاقة النظيفة بدأت تستعد لاستبعاد استعمالات النفط من حياة الإنسان على كوكب الأرض.
الازدياد المطرد لاستعمالات وللاستثمارات في الطاقات البديلة خصوصاً الطاقة الشمسية يجعل الأمر واضحاً، فالنفط سينتهي دوره الإستراتيجي خلال عقد أو عقدين من الزمان، والتطور العلمي قرر المضي خارج سيطرة دول العالم الثالث على الخام، ولا بد من يقظة قبل فوات الأوان.
تابعت رؤية أحد خبراء الاقتصاد عن مستقبل دول الشرق الأوسط بعد نهاية عصر النفط، وقال على وجه التحديد «إن دولتي السعودية وإيران لا يملكان إلى اليوم بدائل بعد خروج النفط من عصره الذهبي، في حين امتدح توجهات الإمارات العربية في الخليج، وقال على الدول التي تعتمد على النفط أن تختار بين الخيار الإفريقي أو الخيار الكوري الجنوبي في مستقبل الأيام.
الخيار الأفريقي يعني البؤس وحروب القبائل والتناحر والجوع والأرض المحروقة، في حين تمثل كوريا الجنوبية المثال الإيجابي للتنمية الناجحة في العالم، فقد استطاعت بسواعد وعقول مواطنيها أن تجتاز مرحلة الفقر الاقتصادي إلى أن تكون دولة من دول الصف الأول في العالم في الاقتصاد والأبحاث والاستقرار.
يبدو الخيار الأفريقي واضحاً في ليبيا، التي تحوّلت بعد عقود من الاستبداد المرير إلى قبائل متناحرة على ثروة النفط، وهم الآن أقرب إلي نيجيريا، وقد تدخل طوراً مزمناً في هذا الاتجاه ما لم يتوقف زعماء العصابات السياسية عن الاقتتال حول ثروة آيلة للزوال، وبدء الاعتماد على العقول في التنمية والاقتصاد.
العالم الغربي يملك جميع المبادرات، بينما نعيش في دولنا العربية في رحم التخلف، والدليل أننا نتقاتل على أسباب خارج الزمن، وكم هو مضحك ومبكٍ في نفس الوقت، أن يقتل بعضنا بعضاً بسبب ثارات قديمة، أو لعوامل بدائية مثل السيطرة بقوة السلاح، وإخضاع الشعوب لطاعة قائد تلطخت يداه بدماء شعبه.
من المؤكد أننا لن نستطيع إصلاح الحال العربية في الرؤية الوطنية لبلادهم في المستقبل، ولكن في أيدينا أن نصلح حال وطننا قبل زوال نعمة النفط، التي كانت بمثابة الثدي الذي نرضع منه الدولارات لعقود متوالية، لكن يبدو أن سكرة النفط انتهت، وعلينا أن نعي جيداً المرحلة المقبلة قبل أن يرسم الغوغائيون مستقبلنا المجهول.
نحن في مرحلة تحتم علينا أن نفتح المجال للعقول في أن تشارك في تحديد خيارات المستقبل، والحل يجب ألا يخرج من الخيار الكوري، وأن نستثمر في عقول الأجيال القادمة، ومنحهم أفضل سبل التعليم في أفضل الجامعات محلياً أو خارجياً.
ومعنى ذلك أن الجامعات الحالية وخصوصاً الجديدة منها تفتقر إلى الجودة التعليمية، ويجب أن يتم توفير أفضل الكوادر الجامعية لها وفتح مجال الاستثمار فيها، وبالتالي إخراجها من طورها الحالي من أجل أن تكون منتجة وفي مستويات جامعة الملك فهد في الظهران والملك سعود في الرياض.
الأهم من ذلك هو ما يطالب به الجميع منذ عقود، وهو تأسيس حاضنات تنموية كبرى على طريقة سابك وأرامكو في السابق، على أن تكون مهيأة لاستثمار سواعد الشباب في بناء المستقبل الجديد للوطن بعد انتفاء دور النفط المتوقع، وأن نعلم جيداً أن الاستثمار المادي وحده في شركات عالمية لن ينقل الوطن من حال إلى حال أكثر تطوراً.
الخطر الحقيقي على الوطن هو في تتابع تكاثر الأجيال غير المهنية وغير المتعلمة، وهو ما يجعل الباب مفتوحاً للخيارات الأخرى، كالتفاخر القبلي والنزعات الماضوية والجاهلية، وتغيير هذا المسيار يبدأ فقط من خلال التعليم المتقن والمشروعات الكبرى، وتوطين مهن الخدمات العامة، وكلما نتأخر أو حتى نتباطأ سندفع ثمن ذلك في المستقبل.
خلاصة الموضوع أن النفط في زوال، وأن الطاقات البديلة مستعدة تماماً لاجتياح العالم وإخراج الوقود النفطي من السوق العالمية، ولهذا أرى في إعادة جولات الحوار الوطني حول المستقبل الوطني في ظل التحديات الاقتصادية خياراً مطروحاً، وذلك من أجل أن نخرج من أزمة الرأي الواحد والمصالح الخاصة إلى رحابة الاستماع لمختلف العقول الوطنية والخبيرة في مكامن القوة والضعف في الاقتصاد الوطني، والله ولي التوفيق.