علي الصراف
تقول أحدث بيانات مكتب الإحصاء الأوروبي (يوروستات) إن هناك نحو 6 ملايين ألماني مهددون بالفقر، لأنهم لا يحصلون على دخول «تأمن لهم احتياجاتهم الأساسية». وهذه الدخول «محدودة»، لأنها لا تتجاوز 60% من متوسط الدخل في ألمانيا.
الفقر نسبي طبعا، ففقراء رابع أكبر اقتصاد في العالم (بعد الولايات المتحدة والصين واليابان) ليسوا كفقراء دول أخرى في العالم. ولكن الفقر فقر في جميع الأحوال. وهو متشابه مع بعضه تماما.
أن يحصل «الفقير» الألماني على ألف يورو شهريا، ولا يجد سبيلا لتغطية فاتورة «احتياجاته الأساسية»، فإنه مثل الفقير الذي يحصل على 10 يورو شهريا ولا يجد سبيلا لتغطية فاتورة «احتياجاته الأساسية» أيضا. الأوجاع هي نفسها أيضا. وهذا أمر مدهش بحد ذاته، ويلغي الكثير من الحسابات الزائفة حول طبيعة الفقر.
المدهش أكثر، أن وسائل مكافحة الفقر متماثلة أيضا.
لا يمكن إعداد وصفة شاملة، لكي تنطبق على جميع البلدان في العالم، إلا أن الأسس تظل واحدة تقريبا.
البطالة هي الآفة الأولى. ومكافحة البطالة هي المفتاح الأول للحد من الفقر. الاستثمارات في البنية التحتية، وأعمال البناء، والتنمية في مجالات الزراعة والصناعات المحلية والمشاريع الصغيرة، كلها وسائل لزيادة قاعدة التشغيل. وبالاستعانة بتقنيات برمجية حديثة تكفل كشف الفرص والفراغات، وتوزيعها الجغرافي، فإن قواعد التشغيل سوف تعمل بطريقة أفضل، وأوسع.
زيادة الضرائب، مفتاح آخر. إنها سبيل ليس لرفع مستويات التكافل الاجتماعي فحسب، ولكنها سبيل لمحو التهميش أيضا. وما يزال الكثير من الاقتصاديين يحلمون بأن تخصص نسبة، ولو محدودة من تلك الضرائب لكي تذهب مباشرة إلى برامج مكافحة الفقر والتهميش، وذلك مثلما تخصص نسب محددة للتعليم والصحة والدفاع غيرها.
وفي العالم الإسلامي، فربما كان بوسع اثنين ونصف بالمئة من دخول الأفراد والشركات، أن تُرسي الأساس للكثير من الفرص لمكافحة الفقر، إذا ما توجهت مباشرة لتحقيق هذه الغاية.
التعليم، وتطوير مستوياته، مفتاح آخر. فإذا افترضنا أن الشباب هم القوة الاقتصادية الأهم التي يمكنها تمويل صناديق التقاعد (بما يدفعوه من ضرائب على امتداد أربعة عقود من العمل)، فسوف يبدو تأهيلهم مفصلا شديد الأهمية.
التوظيف الجزئي، يمكن أن يشكل مفتاحا آخر وآخر لتقليص قاعدة الفقر. ففرص العمل الجزئية بوسعها أن تفسح المجال لمشاركة أوسع في سوق العمل، وتوفر تدريبا ومؤهلات جديدة تُبقي الكثيرين «على صلة» بالإنتاج والحياة معا.
هل لا تستطيع ألمانيا أن تفعل ذلك؟
بلى تستطيع. إنها تفعل جانبا مهما منه، أصلا. ولكنها تضعه على فلسفة مختلفة.
ما لا تفعله ألمانيا، بسبب طبيعة النظام الاقتصادي السائد، هو أنها لا تقتفي أثر الخطى مع بلد أوروبي آخر مثل السويد. فبينما يبلغ معدل الفقر في الاتحاد الأوروبي (والاقتصاد الألماني عصبه الرئيسي) 9 بالمئة، فإن معدل الفقر في السويد 1 بالمئة فقط.
المفارقة الأهم، هي أنه بينما معدل البطالة في السويد أعلى منه في ألمانيا، فإن معدلات التضامن الاجتماعي (الضريبي) أعلى.
الفقر واحد. وأوجاعه متشابهة تماما. ومثلما تجدر مكافحته في ألمانيا، فإنه تجدر مكافحته في كل مكان.
القصة كلها تكمن في ما إذا كانت هناك أسس وآليات تجعل التضامن والتكافل قاعدة للاقتصاد.
إنه فارق فلسفي مهم. فبينما الربح والتضامن يقفان على أساس واحد في السويد. فإن الربح يأتي أولا في ألمانيا، بينما التضامن مجرد عبء.