سعد السعود
مخطئ من يظن أن الشمس دوماً مشرقة.. فلا بد يوماً أن يخالطها ضباب ويصافحها سحاب.. لذلك من الحماقة أن يستكين لاعب لنجومية موسم فيرفع أنفه لأعلى ويتناسى أن لكل نجم خفوتاً.. ومن السذاجة أن يركن فريق لتفوق مباراة فيسخر من منافسه ويغفل على أن الخسارة واردة في المباراة التالية فيناله ذات التشمت.. فالفطن من أدرك أن « المباريات «و « المستويات « دول فمن سره زمن ساءته أزمان.
فالأهلي مثلاً والذي أرعد وأبرق وأمطر في مرمى الاتحاد .. غرق بطوفان القادسية الذي لم يبق له سوى الرماد.. وإعلام القلعة الذي تندر وسخر من الهزيمة الثقيلة للعميد .. تذوق من نفس الكأس من بني قادس بل كاد أن يزيد.. ولاعبو الأخضر الذين تعالت أيديهم وهي ترفع شارة الأربعة.. وضع كل لاعب رأسه خجلاً مما صنعه.
وحتى على المستوى الدولي فمن مد لسانه بالأمس.. رُد له التهكم اليوم.. وخير مثال في ذلك حارس منتخب المكسيك اوتشوا عندما سخر من خسارة البرازيل بسباعية من ألمانيا في كأس العالم 2014م.. حينما قال : تخيل المكسيك تستقبل 7 أهداف وأنا الحارس.. لكن ما ظنه الحارس مستبعداً ولو في الخيال حدث.. فاستقبلت شباك المكسيك بحراسة اوتشوا سباعية من تشيلي قبل أن يمضي عامان من عمر تصريح الحارس.
لذا فالمدرك للأمور لم يستغرب أن تدور الدوائر.. ومن كان في قمة الجبل بالأمس يمكن أن يتدحرج للسفح.. ومن طاول في عطائه يوماً السحاب.. ربما في يوم آخر يحبو على التراب.. لكن العاقل من اتعظ بغيره.. لا أن يكون عظة لغيره .. لذا على الليوث أن يتداركوا وضع فريقهم قبل أن يغرق الفريق ولا يمكن إنقاذه.. فيصبح من كان مضرب المثل بالإبداع موطن عبرة لما وصل إليه من ضياع.
عموماً لست هنا أعارض الاحتفاء والاحتفال بالفائز .. وانتقاد الخاسر .. لكني أزدري أولئك الذين ادمنوا المشي في وحل التعصب .. واستوطنوا مستنقع البذاءة .. حتى أن أنوفهم تتورم عند أي انتصار .. في حين عند الخسارة تجدهم يتوارون عن الانظار .. وجولة واحدة في حسابات التواصل الاجتماعي لمن يسمون إعلاميين .. تزكم أنفك مما تعج فيه من تلوث نتن وما تحويه من سقط القول واللفظ.. ولا أدري أين محل الخجل من الإعراب لديهم ؟ وأين هم عن مقولة: تواضع عند النصر وابتسم عند الخسارة.. وليتذكر هؤلاء أن السنبلة كلما ارتفعت انحنت.
إلى متى حوار الطرشان؟!
لم أستغرب من تدني مستوى الحوارات في مواقع التواصل الاجتماعي والنزول إلى الهوة في التعاطي مع الطرف الآخر.. فعندما يتصدر الإعلام من يوقد نار التعصب فلن يخلف سوى الهشيم.. فالبذاءات أصبحت تُقال في العلن وعلى مرأى من العالم وبمسمع كل متابع.. حتى أضحى التنافس على كسب ود المتابع من بعض البرامج باستقطاب هؤلاء المهرجين تحت مسمى إعلاميين.
نظرة واحدة لأي برنامج مما يتصدر الساحة حالياً تصيبك بالغثيان ليس في مستوى الفكرة بل حتى في تواضع الطرح ليصل في كثير من الأحيان إلى مستوى مقزز لا يمكن أن يقبل تحت أي بند.. ومع هذا وبدلاً من إيقاف تلك البرامج.. وتجفيف منابع التعصب والدونية .. وكتم تلك الأصوات النشاز .. بمنعها من الظهور .. نجد على العكس من ذلك .. كل يوم برنامج جديد.. ولهث حثيث لاستقطاب كل ما خف عقله وثقل تجاوزه ليكون ضيفاً في تلك الدكاكين.
ولا أدري حقيقة متى نستفيق من هذه الغيبوبة الإعلامية؟.. ونتنفس هواءً نقياً بدل هذا التلوث الفضائي.. أين البرامج عن الأساتذة: مساعد العصيمي ومساعد العبدلي ومحمد العبدي وعايض الحربي وعبدالله العجلان ومحمد صادق دياب وفيصل الجفن.. وغيرهم الكثير ممن يمنح المشاهد المعرفة ويقدم له الفائدة.
فمثل هؤلاء الإعلاميين أثق لو تواجدوا في مكان فلن تسمع صوت أحدهم مرتفعاً.. ولن يخالط حديثهم تأليف ولن يتحاذقوا على المشاهد بالكذب والتزييف .. يدلي كل واحد منهم برؤيته بلا ثرثرة أو تفاخر وعندما ينتهي يفسح المجال للآخرين دون مقاطعة .. ليقدموا للمشاهد وجبة ماتعة .. بدلاً مما نشاهده كل مساء في البرامج من حوار الطرشان .. والذي زاده التسفيه وقمة حجته قصف الجبهة والنصر المؤزر لصاحبه بتناقل تجاوزاته في مواقع التواصل الاجتماعي.. لذا أتمنى من وزارة الثقافة والإعلام البدء فوراً في مشروع تلفزيوني ينقي الفضاء من الشوائب باستقطاب مثل هذه الكوادر لعلنا نتنفس هواءً صحياً ونشاهد عملاً إعلامياً واعياً ونافعاً.
آخر سطر
في الإعلام الرياضي .. إن لم تكن صوت حقيقة .. فلا تكن مذياع فضيحة.