حمّاد السالمي
- حضرت الصين؛ وحضر رئيسها (شي جين بينج) الذي تحدث لأول مرة؛ في المنتدى الاقتصادي العالمي في نسخته السابعة والأربعين في (دافوس) السويسرية في 17 يناير الفارط. هذه منظمة غير حكومية، أسسها أستاذ في علم الاقتصاد؛ ورجل أعمال سويسري هو: (كلاوس شواب) عام 1971م.
- العبد الفقير إلى رحمة ربه؛ من منطقة عربية إسلامية؛ تعيش (ربيعًا) عربيًا مشتعلاً. ولأنه ملّ من مشاهد نحر الناس وذبحهم وتدمير المباني وسبي النساء؛ راح يبحث عن مشاهد مريحة نوعًا ما؛ فوقع بصره على رئيس دولة اسمها الصين، التي يتجاوز تعداد سكانها المليار ونصف المليار إنسان، وقبل أن يبحث عن الترجمة العربية لخطاب هذا الرئيس الصيني في دافوس، الذي قوبل بالتصفيق من مئات الرؤساء والاقتصاديين والمتخصصين من كافة أنحاء العالم.. قبل هذا؛ تذكر هذا العبد الفقير إلى رحمة ربه؛ أن أجداده الأوائل قبل مئات السنين، كانوا قد وصلوا إلى حدود الصين، بل وفتحوها على يد القائد العربي المسلم قتيبة بن مسلم الباهلي عام 84هـ. وهم الذين قالوا: (اطلبوا العلم ولو في الصين)، حثًا وحضًّا على طلب العلم النافع للبشرية. عندها؛ سألت نفسي أثناء بحثي عن الترجمة العربية لخطاب دولة دخلها العرب ذات يوم.. ماذا قال رئيسها اليوم..؟
- الحقيقة أني صدمت لما ورد في خطاب الرئيس الصيني، ما جعلني أردد وأنا أقرأ بعض ما ورد في خطابه: ما هذا يا فخامة الرئيس (شي جين بينج)..؟! لم أفهمك. وظني أنك تواجه أمتي العربية بلغة لم نعرفها، وكأنك تثأر لأيام قتيبة بن مسلم الباهلي..!
- أنت تدافع عن العولمة يا فخامة الرئيس وتقول: (إنه لا يمكن إلغاؤها وكأنها شيء عديم الفائدة فقط، حتى لو اعتقدت أنها قد تحوي على عدد من العيوب)..! حتى المصطلح: (العولمة)؛ منا من يجهله تمامًا، ومنا من يحتقره ويعاديه.. كيف لمثلي أن يفهم هذا..؟
- ثم تقول في مواجهة صريحة لتهديدات الرئيس (ترامب): (إن أي محاولات لقطع أو إيقاف تدفقات رؤوس الأموال والأشخاص من الاقتصاد العالمي؛ ليست ممكنة في عصرنا هذا).. حتى هذه؛ نحن في منطقتنا مشغولون عنها، فلا رءوس أموال لدينا ولا ما يرأسون. عندنا رءوس أوادم مذبوحة في أكثر من قطر عربي، وعندنا جماجم تتدحرج بين أرجل شيوخ الإرهاب باسم ديننا الحنيف الذي وصل بنا ذات يوم إلى بلادكم.
- كلما قرأت فقرة وأتيت على أخرى من خطاب هذا الرئيس؛ وضعت يدي على رأسي مخافة أن يطير عقلي. بالله عليك يا فخامة الرئيس كيف أفهم هذا منك. تقول: (نحن بحاجة لخلق نمو مستدام في التقنيات الجديدة، مثل الذكاء الاصطناعي (AI)، والطباعة الثلاثية الأبعاد: (3 D Printing)، فتاريخ البشرية يخبرنا؛ بأن المشاكل ليس أن تخاف من القادم، وعلينا العمل قدمًا).. ذكاء اصطناعي، وطباعة ثلاثية الأبعاد، ولا نخاف من القادم، ونسير قدمًا..! نحن العرب يا فخامة الرئيس؛ نعيش في الماضي، ونصطلي بالحاضر، ونخشى المستقبل، ونخاف من ظلنا. فهل عندنا من الوقت ما يكفي للسير قدمًا..؟!
- وتتحدث فخامتك عن ثورة ناعمة من عالم لا نعرفه.. تقول: (على عكس الثورة الصناعية، لدينا ثورة تكنولوجية رابعة: (4 TH)؛ تتكشف في وتيرة خطى سريعة). مرة أخرى يا رئيس الصين: نحن مشغولون بثورات دموية لا تكنولوجية، فإذا جاء اليوم الذي نشبع فيه من قتل بعضنا بعضًا، أعدك أننا سوف نحاول فهم مقولتك هذه عن الثورة التكنولوجية الرابعة، أو حتى المئة، إذا وصلتم إليها قبل أن نفيق من سكرتنا بربيعنا العربي..!
- يا الله.. كم حيرني هذا الرئيس الصيني. يقول: (إن عدونا الحقيقي ليس البلدان المجاورة؛ لكن العدو هو الجوع، والفقر، والخرافة، والتعصب)..!
مرة ثالثة ورابعة وألف؛ لا أفهم لغة الصين هذه. أنا من عالم عربي إسلامي؛ عاكف على الضديات الدينية، والمذهبية والمناطقية، وشغلي مع كل صلاة وصلاة؛ الدعوة أن يمحق الله أممًا أخرى؛ تصنع لنا الغذاء، والدواء، والكساء، وتصنع لنا (المايكات) التي ندعو عليهم من خلالها، بل وتصنع لنا السلاح الذي نقتتل به، ونصفي بعضنا بعضًا في الوغى وميادين (شرف الاحتراب) فيما بيننا. ليس عدونا يا (شي جين بينج) هو البلد المجاور فقط، بل الأخ والأهل والعشيرة في الوطن الواحد. نحن يا سيدي؛ نستأنس: (الجوع، والفقر، والخرافة، والتعصب).. عندك مانع..؟!
- لم تكتف يا فخامة الرئيس بهذه الألغاز التي صعب علي فهمها؛ حتى تقول وكأنك تعيرنا في بلاد العرب أوطان: (أنا فخور أن أقول إن 37 عامًا من الإصلاحات والانفتاح في الصين؛ انتشلت أكثر من 700 مليون شخص من الفقر).. نحن يا سيدي في عالمنا العربي والإسلامي؛ نجاهد ضد الكفار، والمشركين، والعلمانيين، والليبراليين، والمتأمركين، والمنبطحين، والسنة، والشيعة، وها نحن عالة على هؤلاء الكفار الذين ينتشلون 700 مليون شخص من الفقر في 37 عامًا..!
- اسمح لي يا فخامة الرئيس.. أنا من بين 300 مليون عربي مسلم؛ يأكلون مما تزرعون، ويلبسون ويركبون ويتداوون مما تصنعون، يتذابحون فيها بينهم.! وهؤلاء يا سيدي؛ لن يفهموا ما قلت في دافوس؛ عندها.. سوف يتذكرون قول أجدادهم القدامى: (اطلبوا العلم ولو في الصين).. فيعملون جاهدين- ربما- على فك ألغاز خطابك هذا.