لم يكن مستغربًا التفاعل الكبير الذي شهدته ندوة (مستقبل الإعلام السعودي في ضوء الثورة الرقمية)، إحدى الندوات المقررة في البرنامج الثقافي لمهرجان الجنادرية 31، بمشاركة الدكتور عبدالعزيز الخضيري والدكتور إبراهيم بن عبدالعزيز البعيز والدكتور محمد بن عبدالعزيز الحيزان والدكتور فهد الطياش، وأدارها الدكتور فهد العسكر.. في المرحلة اتصالية إعلامية أولاً يوازيها متطلب الوعي بالثقافة الإعلامية في ذات اللحظة.
الدكتور عبد العزيز الخضيري انتقد تشويه الواقع وتكبير الصورة الصغيرة جدًّا والفردية إلى صورة كبيرة، يجدها الإعلام العالمي فرصة لإبرازنا كمجتمع سعودي عربي مسلم متخلف.. مكملاً أسئلته: «من جعلنا نخاف أن نذكر الله عندما تهتز بنا الطائرة الأجنبية؛ كي لا نُتَّهم بالإرهاب؟!». متحدثًا عن 3 محاور رئيسة في الإعلام السعودي من خلال الإعلام السعودي الرسمي والإعلام السعودي التجاري والإعلام السعودي الفردي.
من جانبه، قال الدكتور إبراهيم البعيز: «عندما اطلعت على برنامج التحول الوطني وجدت فيه 9 مبادرات لوزارة الثقافة والإعلام، التي يفترض أن تنتهي خلال أقل من 5 سنوات. هذه المبادرات تتجاوز تكلفتها أكثر من 3 مليارات ريال، إضافة إلى ما سيتم مساهمته من القطاع الخاص. هذه المبادرات 7 منها في الجانب الإعلامي على المستويين المحلي والخارجي، وتأخذ نحو 78 % من إجمالي التكلفة».
وأضاف: «برنامج التحول أيضًا اشتمل على أربعة أهداف استراتيجية لوزارة الثقافة والإعلام، أبرزها تنمية الصناعات الإعلامية والصناعات ذات العلاقة، وتعزيز تنافسيتها عالميًّا، وصناعة الإعلام والصناعات ذات العلاقة. هذه الوظائف وهذه الصناعة يتوقع أن ترفع قيمة الناتج المحلي للصناعات الإعلامية إلى 6.6 مليار ريال». ثم أوضح أن قراءة مستقبل الإعلام السعودي تبدأ بقراءة نقدية لحاضره. ولا يخفى على أحد أن المشهد الإعلامي اليوم مختلف عما كنا نعرفه سابقًا؛ فالتغيرات السياسية والاقتصادية وما يرتبط بها من متغيرات ثقافية تتسارع بشكل لافت للنظر.
وختم الدكتور البعيز مداخلته قائلاً: «الثورة الرقمية كشفت لنا أهمية السوق السعودي في الصناعة الإعلامية، ومستقبل الإعلام السعودي في ظل هذه المنافسات مرهون بقدرته على الاستجابة لتحديات الانفتاح والتواصل الثقافي وكسب تلك المنافسة مع الإعلام الخارجي. والتحديات التي يجب أن نتعامل معها تتمثل في العمل على تحويل الإعلام الرسمي من إعلام حكومة إلى إعلام دولة، وإبعاد الإعلام الرسمي من حلبة المنافسة مع الإعلام التجاري، وفتح مجال أكثر رحابة وترحيبًا للاستثمارات السعودية في مجال الإعلام بكل جوانبه الإخبارية والترفيهية والثقافية، وتبني سياسة إعلامية تجعل من العمل الإعلامي بكل قنواته وأنماطه فرصًا واعدة وظيفيًّا.
أما الدكتور محمد بن عبدالعزيز الحيزان فحدد نوعي الإعلام، وهما الإعلام التقليدي والإعلام الرقمي، واعتبر أنها مرحلة تشكل الإعلام الحقيقي، مستشهدًا ببعض مؤسسات الإعلام العالمية العملاقة التي فوجئت حين غرة بهذا التحول إلى فضاء مختلف، وتعمل ليل نهار من أجل أن تصنع هذا الإعلام المنتظر. وهذا بالتحديد مشكلة الإعلام السعودي، وهو عدم التفكير في المشاركة في صناعة هذا الإعلام المنتظر أو الإسهام فيه.. تتعامل معه كما تتعامل مع منتجات الإعلام الأخرى.
من جهته، استعرض الدكتور فهد الطياش جزئيات معينة، طرح فيها مشاكل الإعلام، كان قد حددها من سبقه من الإعلاميين عام 1970، وهي: غياب السياسات والوظائف، والخلط بين النموذجين الحكومي والخاص، وضعف بناء الكوادر والكفايات، وضعف البناء الداخلي والهيكلي، وغياب الأبحاث والتطوير، وتكرار الجهود وزيادة الهدر، وضعف الإنتاج وتقنينه.
وقد وضع قائمة للحلول الاستراتيجية وأخرى للمؤسسية. وبالنسبة للحلول الاستراتيجية فهي: المزاوجة بين الصناعة الثقافية والصناعة الإبداعية، التعاون المؤسسي، وخصوصًا بين الجامعات والمؤسسات الإعلامية لتجاوز الفشل المزمن في حالات عدة للإنتاج، الأبحاث والتطوير والتدريب والتمكين. كما تطرق إلى الحلول المؤسسية، وهي: التوجه نحو المحلية، والتعامل مع الإعلام كسوق، وحلول للمشاهدة عبر الشاشة المزدوجة والتجريب في البعد الخامس، والتخلص من سيطرة التقني على المحترف المهني، والتفاعل الجماهيري مع المؤسسي، واستثمار نمو الكتاب الرقمي في تعزيز المؤسسة والتوثيق البصري، واستثمار التمويل الجماهيري في الإنتاج البرامجي، والتخلص من التقليدية في الاشتراكات الرقمية، وصناعة المحتوى التشاركي للاستفادة من الأبحاث الطلابية، ونموذج التحولات في أيكولوجيا المؤسسات الإعلامية.