د. إبراهيم بن محمد الشتوي
تقوم السياحة على الفعل ساح يسيح، وهو الذي يدل على الانتشار والتمدد والسير في الأرض لا لغرض محدد، وإنما يفارق الأهل والولدان والبلدان ليتأمل، وليترهب، و -ربما- على غير قصد. جاء في التنزيل «فسيحوا في الأرض أربعة أشهر» ولكن السياحة في العصر الحديث أخذت معنى مختلفا، فالسائح هو الذي يخرج من بلده بغية زيارة بلد آخر، وقضاء وقت فيها، للتعرف على معالمها، وملامحها، فهي تعني الانتقال والهجرة المؤقتة من البلد الأصلي إلى بلد آخر غريب، لا يعرفه به في الغالب أحد، ولو عرفه لما رغب الاتصال به، ولو اتصل به فلن يتصل به إلا في الأيام الأخيرة، ولذلك عرفت «السياحة» بأنها السفر للمتعة. «Travling for pleasure»
ولأنه يريد المتعة والراحة، فإنه سيحرص على الأماكن التي تجذب انتباهه، وتحفظ له المتعة، والراحة في سفره، والإفادة في الوقت نفسه، وهنا تأتي الثقافة في أحد جوانبها، بالإضافة إلى أنه إذا كان يريد أن يسافر وأن يسيح في الأرض، فإنه يريد أن يكتسب خبرات، ويغير المكان الذي يسافر إليه نظرا لما يبذله من ماله يريد من خلاله أن يجعل سفره ثريا بالخبرة، والمعرفة، والتجربة حتى يقص على أصحابه ومن يقابله، ويستفيد من تلك الرحلة.
ومن هنا تأتي مسألة التنافس بين الأماكن لجذب هؤلاء المسافرين والباحثين عن الراحة والمتعة والفائدة، والمعرفة، في وقت قصير، ومن هنا تأتي الثقافة بوصفها واحدة من المكونات التي تسهم في إثراء حياة السياح، وإمتاعهم، بالوقت الذي تتيح الفرصة لأبناء البلد أن يقدموا ما لديهم من إمكانيات ثقافية تشمل عددا كبيرا من المواد:
1-المتاحف: فالمتاحف هي أماكن تجمع فيها أدوات قديمة تمثل حقبا تاريخية، مختلفة، أو قطعا نفيسة تمثل الأمة التي أنشئ المتحف لأجلها، فهو يعكس تاريخ هذه الأمة، كما يعكس ثقافتها، ويقدم معلومات عنها بشكل موجز، وسريع.
2-المدن الأثرية:
وهي المدن القديمة التي تكشف عنها الحفريات، أو تكون موجودة من الأصل، وهي أيضا مكونات ثقافية لأنها كما في المتاحف تقدم التاريخ، وثقافة الأمة الماضية بصورة حاضرة، فهي تقدم التاريخ بالصورة التي كان عليه من قبل، وتمثل نواصب ثقافية تجعل المتلقي يعيش في الماضي، ويتصور الحقبة التاريخية الماضية بكل ما فيها، بأدوات أهلها، وتصميم منازلها، وألوانها، وألبستها، مما يجعل الماضي يحل بالحاضر، ويخلق فيما بينه نوعا من التداخل والتفاعل، يخرج منه السائح بوعي شديد بالزمن وتحوله.
وهذه القرى قد تكون طبيعية كما لو كشف عن قرية الفاو في الربع الخالي، وكما نرى في جهود هيئة السياحة في ترميم المدن القديمة، والأسواق الشعبية القديمة، والأحياء القديمة التي تمثل مراحل ماضية من الجزيرة العربية، وقد تكون مصنوعة من خلال صنع بيئات اجتماعية حاضنة شبيهة بما كان يحدث في مرحلة سابقة مما يمكن الأجيال اللاحقة الاطلاع على ثقافة، المنطقة وتاريخها، وقد يختلف البناء بحسب المعلومات التي يرغب صانع هذه المدن بتقديمها.
3-شواهد أثرية، ونصب تذكارية، ويمكن أن نستشهد بأثر هذه النصب الثقافية والتاريخية بإيوان كسرى الذي بقي شاهدا على مر الزمان بالرغم من تقادم العهود، وكان سببا في ظهور أثر أدبي وفني غاية في الإبداع، وهي قصيدة البحتري السينية المشهورة، وذلك لما بعثه في نفس الشاعر من معاني تحول الزمان.
4-الأسواق الشعبية المحلية، والبازارات: وهي أيضا مقصد لبعض السياح، يتعرفون من خلاله على عادات الناس، وثقافاتهم الشعبية وأطعمتهم، وطريقة تعامل بعضهم مع بعض، وكثير من يرى أن الأسواق الشعبية، والبازارات هي معارض حية لطبائع الشعوب، ومعين لا ينضب للخبرات الإنسانية، والمواقف اليومية الحية التي تبين مستوى الناس المعيشي، والقيمي، والأخلاقي سواء لدى البائع أو المشتري، أو مدى حضور المؤسسة بتجلياتها المختلفة.
5-محلات التحف والتذكارات: وتمثل هذه المحلات معرضا يبين المواد التي تلقى رواجا عند السياح، يرغبون في اقتنائها، كما يبين الخيال الفني الذي يتسم به صانع هذه التحف والتذكارات، وليست مجرد تقليد لبعض القطع الفنية الموجودة في الطبيعة، ولكن جزءا منها يمثل التقاط لما ينبغي أن يصور، ويجسد من تلك القطع، والطريقة التي تقدم بها. وليس عجيبا إذا كنا نرى قطعا مصنوعة على غرار التحف الأولى موجودة في هذه المتاحف في ظل غياب أخرى بناء على الاستجابة لذوق السائح، وهو في كثير من حالاته لا يتناسب مع الذوق المحلي، ولذا تجد أن أصحاب محلات التذكارات، والتحف يعرضون على كل جنسية ما يناسبه، وقد يجيبك عندما تسأله عن سبب غياب نوع معين من التحف بأن هذه الأنواع هي المرغوبة من قبل السائح الأجنبي، مما يعني أن السياح يفرضون وجها على المدينة لم يكن من طبيعتها، وكذلك أسواقها، وهو بالرغم أنه وجه اقتصادي إلا أنه له ارتدادات ثقافية.
6-العروضات الشعبية العامة، مثلما يحدث مثلا في مهرجان الجنادرية، بحيث تقدم الشعوب ثقافتها، وتراثها أمام الحاضرين سواء أكان هؤلاء الحاضرون سياحا أجانب أم محليين.