فيصل أكرم
في السبت الماضي كان عنوان مقالتي (مكتبة الشعر العربي) وتحدثتُ فيها عن مشروعي (الحلم) الذي بدأت في تحقيق أولى خطواته ولم يبق على اكتمال الخطوات بافتتاح سيعرفه كل مهتم بالشعر وأوضاعه في المكتبات سوى شهور يقلّ عددها عن أصابع الكفّ الواحدة -بإذن الله-.
أما (مكتبة الحجاز) موضوعي اليوم، فعن الكتب المتفرّقة الكثيرة التي لا أملّ الاستزادة منها كلما وقعت عيناي على كتاب يتمحور عنوانه حول (الحجاز) من جوانبه وأحواله وعلاقاته ومميزاته الكثيرة كثرة القلوب التي تحنّ إليه كلما ابتعدت عنه ولو قليلاً.
في زيارتي الوحيدة لمعرض الكتاب الأخير في القاهرة خرجتُ بكتاب وجدتُ عنوانه طويلاً وغير أدبيّ للوهلة الأولى (الحياة الاقتصادية في الحجاز وعلاقاته في عصر المماليك) غير أن معرفتي بماهية الحجاز أدبياً وما يأخذك إليه من حالات المتعة والدهشة والإضافات إلى ذاكرة القراءات حول هذه البقعة الأغلى من الأرض.. كل الأرض، جعلتني لا أتردد في اقتناء الكتاب وقراءته قراءة من لم يقرأ عن الحجاز قط!
مؤلف الكتاب الدكتور محمد محمود العناقرة، وهو أستاذ التاريخ بجامعة اليرموك في الأردن الآن، والكتاب صادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 2015 وقد كان بالأصل رسالة ماجستير حصل عنها على امتياز وحظي بإعجاب أساتذته وقد شاركوه في التقديم لهذا الكتاب الذي أراه فعلاً يستحق الإشادة والتقديم والإعجاب.
الكتاب اقتصادي تاريخي وليس في عنوانه ما يدلّ على وجود ما وجدته في بعض صفحاته من (سيرة) أدبية ثقافية لمنطقة الحجاز، صيغت برشاقة أسلوبية تحقق المتعة والمعرفة معاً.. ومع أن الكتاب بحثٌ يتضمّن في أكثره فقرات كاملة من كتب وبحوث أخرى متباينة في أماكن إصدارها وتواريخ نشرها إلا أن المؤلف استطاع أن يربط بين الفقرات المنقولة ليجعلها تبدو في سياق واحد متكامل التناسق مع جوهر الموضوع مهما اختلفت عناوين موضوعات المصادر.. فقد استعان الباحث بالقرآن الكريم وبثلاثة مصادر عربية مخطوطة وثمانين مصدراً عربياً مطبوعاً، أما المراجع العربية فعددها 85 والمراجع الأجنبية المعرّبة 12 والرسائل الجامعية 5 والمقالات العربية 19 والمراجع الأجنبية 5 ومقالة أجنبية واحدة.
وبدأ ذلك بتمهيد حول جغرافية الحجاز نقل في مطلعه تعريف لسان العرب لابن منظور (الحجاز لغة: هو الحجز أي الفصل بين الشيئين، أما اصطلاحاً: فلأنه فصل بين الغور والشام والبادية، أو لأنه حجز بين نجد والسراة، أو لأنه حجز بين تهامة ونجد، أو بين نجد والغور)، ثم أضاف عن مصادر ومراجع جغرافية وتاريخية متعددة: (اختلف الجغرافيون والمؤرخون في تسمية الحجاز، فالمسعودي يذكر بأنه سمي حجازاً لأنه حجز بين اليمن والشام، ويستشهد بقوله تعالى (وجعل بين البحرين حاجزاً أإلَهٌ مع الله بل أكثرهم لا يعلمون) – سورة النمل، آية 61 – تمثل ذلك بالبرزخ الذي بين بحر القلزم وبحر الروم، أما البكري فيرى أن الناس تنازعوا في تسمية اليمن فقيل سمي كذلك لأنه عن يمين الكعبة والشام شاماً لأنه في شمالها، أما الحجاز فلأنه حاجز بينهما).
سأكتفي بهذا النقل من تمهيد الكتاب، مثمّناً الجهد المبذول في جمع وترتيب مواده بصيغة أدبية تجعله إضافة حقيقية لمكتبة الحجاز؛ وأختم بمقطع من (قصيدة الأفراد) المنشورة سنة 2000 ذكرتُ فيه (الحجاز) بما في القلب:
(هي ذي الحياةُ، وأنتَ هذا..
هل ستعجبكَ البدائل؟
المشيُ في كل الجنازات التي.. لم تدر من أصحابها
مرثيةٌ، أوْلى بها كُتّابُها
ولدٌ ينادي في النوادي: كلّ صفحة دفترٍ
بلدي الحجازُ،
وكلّ شلاّلٍ يساويني: وطنْ
فهل انتبهتَ إلى الثمن..)؟!