ركز القاتل المتسلسل في فيلم Se7en (إخراج ديفيد فينشر وبطولة مورغان فريمان وبراد بت عام 1995) في اختيار ضحاياه على الخطايا السبع بحسب العقيدة الكاثوليكية المسيحية (الشراهة، الشهوة، الجشع، الكسل، الغضب، الحسد، الفخر)، وكانت وسيلته في القتل هي الخطيئة ذاتها التي تمارسها الضحية! ووفقًا لذلك تحول الطعام ليكون أداة جديدة للقتل، ولمعاقبة محبه على ارتكاب هذا الإثم الذي لا يغتفر إلا بالاعتراف - بحسب الديانة المسيحية - والتوبة والندم.
كانت هذه تقريبًا نظرة بطل رواية الذواقة للكاتب الصيني لو وين فو (ترجمة يارا المصري عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2015) للطعام ومحبه - البطل المضاد - تشو زي تشي، «الرأسمالي» الذي تحول إلى خبير بالأكل، ونال لقب الذواقة فقط لأنه يحب الأكل! لم تكن نظرة البطل للذواقة ذات مرجعية دينية، لكنها كانت سياسية إن صح التعبير، إذ رأى فيها تجسيدًا للمستغلين الذين يحصلون على المال دون تعب باستعبادهم لآخرين قد لا يحصلون على قوت يومهم لقلة مواردهم، لذلك عمد إلى تحريض سائق العربة للامتناع عن دفعها ونقل تشو زي وغيره من أولئك الذين لا يفعلون شيئًا سوى الأكل. كان تشو زي يتبع نظامًا يوميًا خاصًا، فتطلب معدته الطعام -دون أن يعني ذلك أنه بدين- في اللحظة التي يفتح بها عينيه ويتجه إلى المطعم الذي يقدم الشعرية، ويختار مطعمًا آخر لفترة الغداء التي يتجه بعدها إلى الحمام العمومي، حيث يستحم ويسترخي للتخلص من آثار الوجبة الدسمة دون أن يبذل جهدًا في فعل شيء لهضمها بل «يركز طاقته كلها ببلادة لمواجهة تلك المعدة»، ذلك لأنه يؤمن أن تناول الطعام فن من الفنون وهضمه نوع من الجمال يجب أن يوليه اهتمامه كله، ويلي كل هذه الإجراءات إغفاءة تمتد لثلاث ساعات ينهض بعدها تشو وقد هضمت معدته الأكل تمامًا، واستعدت للوجبة التالية.
ورغم أن تشو زي تشي كان طيبًا مع البطل وأمه، إلا أن ذاك لم يشفع له أبدًا، بل كان يشعر بالاشمئزاز منه للحد الذي جعله يعلن كرهه للطعام حين كان القائد يوزع المهام على الرفاق كل بحسب ميوله وما يجيده، فعاقبه بحرمانه من الطعام لثلاثة أيام. أصبح البطل مرة أخرى في مواجهة الأكل، ولكنه سيكون هذه المرة تحديًا دائمًا، وقرر أن يكون هذا سلاحه لمحاربة تشو زي تشي -دون قتله- لتخليصه من شراهته وجشعه، فما دام راغبًا بالأكل، سيتعين عليه إذًا أن يعد طعامه بنفسه! لم يتأثر الذواقة بحركة المكافحات الثلاث أو حملة المفاسد الخمسة، لأنه لم يكن يتعاطى المخدرات ولا يقرب النساء ولا يلعب القمار، وكان همه الأوحد هو الطعام والطعام فقط.
لقد ارتبط مصير البطل بالطعام إلى الأبد، فقد كلف بإدارة مطعم كان تشو زي يتردد عليه، فقرر إجراء تعديلات عليه كان يظنها كافية لمحاربة النهم، ما يعني محاربة تشو زي فيما يحب، وكان في الوقت نفسه يحارب عادات «رأسمالية» فصار المطعم يقدم وجبات عادية جعلت الطاهي يعترض قائلًا إن لائحة الوجبات الجديدة تعني أنهم سيقدمون الطعام المنزلي، وهذا يمكن لأي شخص أن يعده في منزله دون الحاجة إلى الذهاب إلى المطعم! كان الطعام على مدى 149 صفحة هو موضع الشد والجذب بين البطل والذواقة، الذي كاد ينتصر بعد سلسلة من المحاضرات دُعي لإلقائها في المطعم، وبعد أن دعا البطل على وليمة حقيقية من سوجو (منطقة الأحداث)، لكنه قاوم هوى النفس في اللحظة الأخيرة هاربًا من المضي في الوليمة إلى نهايتها. كان يظن حينها أنه انتصر على تشو زي، لكن لحظة النصر الحقيقية كانت حين انتزع قطعة الشوكولاتة من حفيده، مرغمًا إياه على تناول قطعة حلوى أخرى كي لا يتحول إلى «ذواقة» آخر!
صار الطعام سلاحًا لدى كل من القاتل المتسلسل في فيلم سبعة، ولدى البطل في الرواية-على اختلاف استخدامهما لهذا السلاح- لكنه كان لدى الاثنين عقوبة يحاولان بها تطهير مرتكبي الخطيئة، التي لا تقتصر على تناول الأكل بكثرة بل تمتد إلى التلذذ والشغف به، للوصول بهم إلى حالة من الكمال السامي، وتحررهم من طبيعتهم الإنسانية بأقصى حد ممكن.
- بثينة الإبراهيم