لم يتردّد لحظة للتوقيع على بطاقة مصور صحافي للصنداي تايمز لتغطية حرب من الحروب مع علمه المسبق بأنه قد يلفظ أنفاسه الأخيرة وأذنه على إيقاع أزيز طلقات الرصاص وصراخ القتلى قبل موتهم ودوي الانفجارات المفاجئة لحظة التقاط عين كاميرته لصورة جندي يضع فوهة بندقيته على رقبة صبي وعينيه تنطقان حسرة وألماً انتظاراً لرصاصة تمزق قلبه في مشهد موت قاسٍ مبكر لم يتوقعه، أو امرأة تحاول أن ترضع طفلها لكن ثديها الشاحب لم يقطر قطرة واحدة في فم ذلك الرضيع بسبب مجاعة جذرها صراع دموي، أو لرجل يعزف أغنية نصر مزيف فوق جثة فتاة ملقاة على مستنقع دموي في حرب أهلية دام أوارها أكثر من خمسة عشر عاماً.
حبس أنفاسه والتقط تلك المشاهد؛ لأن شغف روحه لم تتوقف عن اقتناص اللحظات منذ أيامه الأولى في بريطانيا قبل أن يجوب العالم ليوثّق شيئاً من ذاكرة المأساة البشرية في العصر الحديث، ليكون أرشيفه الذي تجاوز آلاف الصور وثائق حية تستحق التأمل ولعلها تكون أعمق من حكمة فيلسوف أو قصيدة شاعر أو رواية أديب تساعدنا على فهم العالم أكثر من الوسائل المعرفية التقليدية للعقل المعرفي.
إمضاء المصور الصحافي البريطاني السّير دون ماكولين: تحرك توقيعه على أغلفة أعداد مجلة صنداي تايمز؛ ليُؤرشف للعالم شيئاً من حقيقته المرّة..!
- حمد الدريهم